विज्ञान का दर्शन
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
शैलियों
لقد سار العلم القديم بمعدلات تقدم متباطئة للغاية، خصوصا إذا قورنت بالوضع في العلم الحديث؛ لأن البحث العلمي ذاته كان نشاطا مشتتا مبعثرا، ملحقا بالاحتياجات العملية المباشرة في العهود السحيقة، ثم بالكهنوت في الحضارات القديمة، وبالفلسفة في الحضارة الإغريقية، وبالإطار الديني في حضارات العصر الوسيط، وحتى الحضارة الإسلامية التي رأيناها تحمل لواء البحث العلمي آنذاك، لا يمكن فهم الحركة العلمية فيها بصرف النظر عن توجهها نحو الإلهيات والذي صنع الملامح الخاصة للطبيعيات الإسلامية في العصر الوسيط، فلا هي انساقت مع مادية القبل سقراطيين المتطرفة ولا مع مادية أرسطو المعدلة، إلى آخر المدى، وعلى الرغم من استفادتها من الفيثاغورية والأفلاطونية والأفلوطينية، أيضا لم تتسق معها إلى آخر المدى، فهذه فلسفات مثالية تحرم العالم الطبيعي من الوجود الموضوعي، وهذا ما لا يمكن أن تفعله الفلسفة الإسلامية، قد تحرمه من استقلاله أما وجوده الموضوعي فكلا؛ لأن العالم الطبيعي فعلا متعينا للقدرة الإلهية ودليلا ماثلا عليها، مما يوضح أن العرب مهما أسرفوا في استغلال وتسخير التراث اليوناني، فقد كان هذا في إطار ثوابتهم الحضارية وتصوراتهم المتجهة نحو الإلهيات.
فكان التراث العربي الإسلامي تيارا مستقلا في النظر إلى العالم الطبيعي، استوعب ذينك الطرفين - المادية والمثالية - وتجاوزهما إلى مركب جدلي
34
أشمل، لم يكن محض انتقاء بينهما أو توفيقا مع الشريعة، بل كان خطوة في طريق تطور الفكر الطبيعي ... أدت فيما بعد إلى العلم الحديث. وقد عرفت الحضارة الإسلامية كيف تقطعها دون أن تخرج عن إطارها المثالي وتوجهها اللاهوتي.
35
والخلاصة أنه بالنسبة للعلم القديم كان الإطار الثقافي يحتويه بصورة ضمنية، ولم يكن مؤسسة مستقلة بذاتها، مستقلة بمناهجها ونواميسها وشرائعها ورجالاتها، فندر أن يوجد العالم المتخصص المتكرس لأبحاثه العلمية، ويصدق هذا حتى على الحضارة الإسلامية التي رأيناها تحتل قمة العلم القديم، ومن أعظم رجالاتها أبو الريحان البيروني (362-440ه/973-1048م) الذي قال عنه المستشرق الألماني إدوارد ساخاو: إنه أعظم عقلية علمية عرفتها العصور الوسطى، ويحق لنا اعتباره أعلى مد بلغته العقلية العلمية آنذاك، ومع هذا نجد البيروني معنيا بالفلك والرياضيات والمباحث التجريبية قدر عنايته بالإنسانيات والحضارات حتى إنه بكتابه «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة» كان مؤسس علم الأديان المقارن، وكان كل هذا في إطار توجهات دينية وفلسفية إسلامية ... ودع عنك مثالا آخر، جابر بن حيان في القرن الثاني الهجري الذي اختلطت كيمياؤه التجريبية البارعة بركام هائل من الخزعبلات والخرافات والغنوصيات المشرقية،
36
ولا غرو في أن تحمل كيمياؤه تعثر البدايات ووعورة شقها للطريق، وفي الآن نفسه زخم التأثيرات المحورية والامتدادات المستقبلية، وبهذا وذاك كان أبا الكيمياء القديمة كما رأينا.
وبفعل متغيرات ثقافية وتحولات حضارية جديدة وعميقة اقترنت بها نشأة العصر الحديث، انبثق من ركام العلم القديم عملاق هو العلم الحديث، انبثق في صورة نسقية، أي مهيأة للاستقلال، بحيث تحمل في صلب ذاتها حيثياتها وإمكانيات تناميها وفاعلية عوامل تقدمها ذي المعالم الواضحة. إن النسقية موطن لتميز العلم الحديث عن العلم القديم، ويمكن أن تتمثل نقطة التحول في أن العلم في العصر الحديث، أو العلم الحديث قد أصبح نسقا.
والنسقية تعني إحكام البحث العلمي، فيرتكز في شتى ممارساته على أصوليات منهجية صارمة، ترتد في صورة خصائص منطقية دقيقة، تحدد لظاهرة العلم تخوما واضحة، مما يكفل تآزر الجهود العلمية فيجعلها تمثل متصلا صاعدا، يواصل تقدمه باستمرار، ويلقي في جوانحنا الثقة بأن غده أفضل من يومه، تماما كما أن يومه أفضل من أمسه، فتمثل كل ممارسة من ممارسات العلم الطبيعي إضافة لرصيده، أو بالأحرى لرصيد الإنسانية.
अज्ञात पृष्ठ