213

विज्ञान का दर्शन

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

शैलियों

وكلما ازدادت النظرية في محتواها المعرفي وفي عموميتها وفي دقتها، كلما عينت هذا العالم أكثر. إن إمكانية التصادم مع الواقع - أي القول بما قد لا يحدث في الواقع فيكذب النظرية - هي التي تميز النظرية العلمية، إنها قدرتها على الاستبعاد، على منع بعض الحوادث المحتملة من الحدوث.

وكلما منعت النظرية أكثر، كلما أخبرتنا أكثر، وعرضت نفسها لإمكانية انتهاكات أكثر، وبالتالي زادت قابليتها للتكذيب. فمثلا أبسط عبارات العلم «الماء يغلي في درجة 100°» طبعا يمكن مواجهتها بالواقع، ويمكن - منطقيا - ألا يغلي الماء في هذه الدرجة. هي إذن قابلة للتكذيب، لكن نلاحظ أن العبارة تمنع حدوث غليان الماء في أية درجة أخرى، في 60° أو 80° ... وإذا أضفنا إليها تحديدا آخر، وقلنا: إن «الماء يغلي في درجة 100° في مستوى سطح البحر» كانت هذه العبارة تخبر أكثر؛ لأنها منعت أكثر، فقد منعت كل ما منعته سابقتها، بالإضافة إلى أنها منعت غليان الماء في 100° فوق سفح جبل أو في هوة سحيقة، أو في أي مكان ضغطه الجوي مختلف عن الضغوط فوق سطح البحر. وإذا أضفنا إليها تحديدا آخر، وقلنا: «في مستوى سطح البحر يغلي الماء في درجة 100° في الأوعية المكشوفة» كانت هذه العبارة تخبر أكثر؛ لأنها تمنع غليان الماء في هذه الدرجة عند سطح البحر، في الأنابيب أو في المراجل المغلقة. إنها تمنع الأكثر؛ ولهذا قابليتها للتكذيب أكثر.

هذا المثال يوضح كيف ترتبط القابلية للتكذيب بالمحتوى المعرفي ارتباطا مباشرا، يجعل العلاقة بينهما تناسبا طرديا. فمثلا تزيد عمومية العبارة بزيادة المحتوى، النظرية الأكثر عمومية ذات محتوى معرفي يفوق محتوى النظرية أو النظريات الأقل منها عمومية؛ إذ إنها تمنع ما تمنعه، بالإضافة إلى منع ما جعلها أعم ؛ لذلك فهي أكثر قابلية للتكذيب، وهي أيضا أغزر في محتواها المعرفي؛ لأنها تضم محتوى العديد من العبارات التي تعممها. إن العبارة العلمية، هي العبارة ذات المحتوى المعرفي الإخباري عن العالم التجريبي، وهي لذلك العبارة القابلة للتكذيب، والفيزياء الأكثر قابلية للتكذيب؛ لأنها الأكثر عمومية.

وعلى أساس الأساليب الدقيقة للمنطق الرياضي - ولا داعي للخوض في تفصيلياتها الفنية المعقدة هنا

24 - يعالج بوبر المحتوى المعرفي للنظرية العلمية وتضمنه لمحتوى تجريبي ومحتوى منطقي، وارتباط مقاييسهما بالنسبة لنظريتين متنافستين، وعلاقة هذا بالاحتمالية، وأيضا فئة محتوى الصدق وفئة محتوى الكذب التي إن كانت غير فارغة كانت النظرية مكذبة. وميز بوبر بين المحتوى المنطقي المطلق وبين المحتوى المنطقي النسبي، أي في حالة التسليم بمحتوى منطقي لنظرية أخرى، والمحتوى النسبي له الأهمية الفعلية في منطق العلم؛ لأن العبارة العلمية موضع الاختبار عادة ما ترتبط بالخلفية العلمية المطروحة، أي بمحتويات منطقية أخرى.

ولما كان الصدق هو الهدف المروم والمبدأ التنظيمي في خضم هذا المعمعان التكذيبي، فقد تقدم بوبر بمفهوم يكفل السير قدما نحو الاقتراب من الصدق أكثر وأكثر، وهو رجحان الصدق

Verisimilitude

الذي يعني أن النظرية أصبحت أكثر مماثلة للصدق

more truthlikeness ، فالنظريات تتنافس في الاقتراب من الصدق، وكل إنجاز علمي هو توصل إلى نظرية جديدة تلافت مواطن كذب في سابقتها، فأصبحت أكثر منها اقترابا من الصدق؛ ولهذا قهرتها وتغلبت عليها وأزاحتها من نسق العلم وحلت محلها. ومفهوم «رجحان الصدق» مفهوم نسبي، يتعلق بالمناقشة العلمية المطروحة في الوقت المعين، والمنافسة بين الفروض وبعضها؛ لذلك فهو أساسا للحكم بتفوق فرض على آخر، أو نظرية على أخرى، حين تتميز عليها برجحان صدقها. وطبعا رجحان صدق النظرية «ن1» على النظرية «ن2» له شروط منطقية، وهي: أن تكون «ن1» متضمنة في «ن2» التي تفوقت عليها، وإلا لما أمكنت المقارنة بينهما، وأن تقول «ن2» كل ما قالته «ن1»، ثم تتجاوزها فتفسر جميع الوقائع التي تفسرها «ن1»، ثم تستطيع أيضا أن تفسر بعض الوقائع التي تفشل «ن1» في تفسيرها، وبالتالي ستكون أية معلومة تكذب «ن2» تكذب أيضا «ن1»، فيكون الحكم بتفضيل «ن2» لا غبار عليه. وأخيرا يجب أن تكون العبارات الصادقة التي يمكن اشتقاقها من «ن2» أكثر من التي يمكن اشتقاقها من «ن1» والعبارات الكاذبة أقل؛ وكل ذلك يعني أن «ن2» أجرأ وأغزر في المحتوى المعرفي، أي أكثر قابلية للتكذيب. هكذا يتضح لنا أن النظرية الأكثر قابلية للتكذيب، هي الأقل كذبا.

وليس رجحان الصدق فقط، بل كل مفاهيم منطق التكذيب هي الأخرى نسبية. القابلية للتكذيب ذاتها مسألة نسبية، مسألة درجات، وتتفاوت درجات القابلية للتكذيب على أسس منطقية - حددها بوبر بدقة - تتصاعد جميعها في سلم التقدم العلمي المطرد.

अज्ञात पृष्ठ