فقلت خاشعا: بفضلك يا سيدي.
وخرج أخي عن صمته فقال: وبفضل الله قبل كل شيء.
فقال الطبيب: حدثني الآن عن الدرس الذي أفدته من إقامتك القصيرة في مصحتي؟
فقلت بحماس: إن أحلام اليقظة غير مجدية!
نصف يوم
سرت إلى جانب أبي متعلقا بيمناه، جريت لألحق بخطاه الواسعة. ملابسي كلها جديدة، الحذاء الأسود والمريلة الخضراء والطربوش الأحمر. غير أني لم أسعد بالملابس الجديدة سعادة صافية، فيومي لم يكن يوم عيد، ولكنه أول يوم يلقى بي في المدرسة. وقفت أمي وراء النافذة تراقب موكبنا الصغير، فالتفت نحوها كالمستغيث بين حين وآخر. تقدمنا في شارع بين الجناين تحف به من الجانبين حقول مترامية مزروعة بالخضر والتين الشوكي وأشجار الحناء وبعض النخلات. قلت لأبي بحرارة: لماذا المدرسة؟ .. لن أفعل ما يضايقك أبدا!
فقال ضاحكا: أنا لا أعاقبك، المدرسة ليست عقابا، ولكنها المصنع الذي يخلق من الأولاد رجالا نافعين، ألا تريد أن تصير مثل أبيك وإخوتك؟!
لم أقتنع. لم أصدق أنه يوجد خير حقا في انتزاعي من بيتي الحميم، ورميي في هذا المبنى القائم في نهاية الطريق، مثل حصن هائل شديد الجدية والصرامة عالي الأسوار. ولما بلغنا البوابة المفتوحة تراءى لنا الفناء واسعا ومكتظا بالأولاد والبنات. وقال أبي: ادخل بنفسك وانضم إليهم، ابسط وجهك وابتسم، وكن مثالا طيبا.
ترددت وشددت أصابعي على راحته، ولكنه دفعني برفق وهو يقول: كن رجلا، اليوم تبدأ الحياة حقا، ستجدني في انتظارك وقت الانصراف.
مشيت خطوات ثم وقفت أنظر، أنظر ولا أرى. ثم أنظر، فتلوح لي وجوه الأولاد والبنات. لا أعرف أحدا ولا أحد يعرفني. شعرت بأنني غريب ضائع. ولكن ثمة نظرات اتجهت نحوي بدافع من حب الاستطلاع، واقترب مني ولد وسألني: من الذي جاء بك؟
अज्ञात पृष्ठ