Favouring God
أو آلهة مقربة كالإله «حور» أو الإلهة «إزيس»، أو كان الكاهن يخاطب المتوفى مؤكدا له أن آلهة السماء ستبعثه مرة أخرى: «إنها تعيد لك رأسك ثانية، وتجمع لك عظامك، وتضم لك أعضاءك، وتحضر قلبك لجسمك.» غير أن المتوفى - حتى عندما يبعث بهذه الكيفية - لم يكن مالكا لحواسه وقواه العقلية، ولم تكن لديه قوة لضبط جسمه وأعضائه واستعمالها، ولذلك كان من الضروري أن تخترع عدة حيل حتى تصير موميته الصامتة إنسانا حيا قادرا على المعيشة في الحياة الآخرة.
ولما كان المتوفى يعجز عن أن يكون «با» أو روحا بعد الموت كان من الضروري مساعدته حتى يصير «با». وكان «أوزير» قد صار روحا بعد موته، وذلك بعد أن تسلم من ابنه «حور» عينه التي انتزعها من محجرها «ست» أثناء الشجار الذي قام بينهما، ولكن «حور» لما استرد عينه أعطاها والده «أوزير»، فلما تسلمها الأخير صار روحا، ومن ذلك العهد صارت العادة المألوفة أن يسمى أي قربان يقدم للمتوفى «عين حور»، وبتلك الكيفية صارت تحدث تلك العين للمتوفى نفس ذلك المفعول كما حدث «لأوزير»، ولذلك يقول الكاهن: «قم لخبزك هذا الذي لا يمكن أن يجف، وجعتك التي لا يمكن أن تصير فاسدة؛ إذ بها تصبح روحا.»
فكأن هذا الطعام الذي قدمه الكاهن يحتوي على القوة الخفية التي تحول المتوفى إلى روح كما حدث أن حولت «عين حور» «أوزير» روحا.
ومن تلك الحقائق السابقة، يتضح أن المصريين قد ابتدعوا للمتوفى فلسفة نفسية ساذجة حاولوا بها أن يعيدوا إليه حياة الفرد بطرق وعوامل خارجية عن ذاته، وذلك بإشراف الأحياء؛ وبخاصة الكاهن الجنازي الذي كان يعرف الاحتفالات الدينية الضرورية للوصول إلى ذلك الغرض.
ويمكن تلخيص كل هذه النظريات في أنه بعد بعث الجسم لا بد من إعادة قوى الإنسان العقلية إليه واحدة فواحدة، ويتم حصوله عليها بوجه خاص بصيرورة المتوفى روحا «با». وبتلك الكيفية يعود المتوفى إلى الحياة مرة أخرى وهو حائز لجميع قواه التي تساعده على المعيشة في الحياة الآخرى. فليس من الصواب إذن بعد ظهور تلك الحقيقة أن نعزو إلى قدماء المصريين الاعتقاد بخلود الروح، أو أنهم عبروا عن الروح بأنها لا تفنى، أو أن نتكلم عن «آراء المصري في الخلود» بعد الموت.
وعندما يبتدئ المتوفى حياة جديدة في الآخرة لا يعرفها كان يساعده في ذلك ملاك يحرسه يسمى «كا» يظهر في الوجود مصاحبا لكل إنسان من وقت ولادته، ويرافقه في كل حياته حتى ينتقل قبله إلى عالم الآخرة. لذلك نجد مرسوما على جدران معبد الأقصر التي مثل عليها ولادة «أمنحتب الثالث» في مناظر محفورة يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الخامس عشر قبل الميلاد، الأمير الصغير «أمنحتب» محمولا على ذراع إله النيل تتبعه صورة طفل آخر، وهذه الصورة التي تنطبق تمام الانطباق في شكلها الظاهري على صورة الأمير هي الكائن الذي يسميه المصريون الأقدمون «كا»، وهو نوع من الملائكة سام كان الغرض منه على الأخص إرشاد المتوفى إلى ما قدر له في الحياة الآخرة التي يجد فيها كل متوفى من المصريين ملاكه «الكا» في انتظاره. وجدير بنا أن نلاحظ في هذا المقام أن «الكا» يحتمل أنها كانت في الأصل خاصة بالملوك فقط ، فكان كل ملك يعيش في حراسة ملاكه الحارس، ثم صار هذا الامتياز الملكي بطريق التطور التدريجي حقا مشاعا لكل عامة الشعب.
ولا يمكننا أن نشك في أن أسلحة ذلك الصائد الفطري وأواني طعامه وشرابه مضافا إلى ذلك حليه الشخصية قد وضعت كلها في قبره قبل وجود أي ملك أو قيام أية مملكة في وادي النيل بآلاف من السنين. وقد أخرج للناس تدريجا عهد الملكية والحضارة الراقية التي كانت تصحبها عتادا ماديا متقن الصنع في صورة قبر ضخم مشتمل على أثاثه الجنازي. وأقدم قبر ضخم بناه القوم كان يشبه هرما ناقصا، جوانبه شديدة الانحدار - ويطلق المصريون الآن على مثل ذلك البناء لفظة «مصطبة».
وهذا القبر وليد كومة الدفن ذات الشكل المستطيل التي نراها في مدافن ما قبل التاريخ، وحوطت فيما بعد بجدار حاجز، وكان يصنع أولا من الأحجار الخشنة، فصار في ذلك الوقت الذي نحن بصدده يصنع من الأحجار المنحوتة المرصوصة بعناية وإتقان. وقد صارت المصطبة منحدرة بعض الانحدار على غرار ما كانت عليه سابقتها كومة الرمل، أو الرابية التي لا تزال تشاهد محصورة في داخل جدران المصطبة. وفي الجانب الشرقي للبناء الخارجي من المصطبة الذي كان في الغالب ذا حجم عظيم كانت توجد حجرة مستطيلة الشكل، يستحسن أن نسميها «مزارا»، وكان يقدم فيها القربان للمتوفى كما كانت تؤدى فيها الاحتفالات الخاصة به؛ وذلك لأنه لم يكن في مقدور المتوفى بالرغم من بعثه من جديد إنسانا حيا أن يعول نفسه في الحياة الآخرة من غير مساعدة أقاربه الأحياء. وكانت جميع تلك الاحتفالات الجنازية ترجع في معظم طقوسها إلى المذهب الأوزيري؛ لأن إله الشمس في المذهب الشمسي لم يقض نحبه بين الناس مثل «أوزير»، ولم يترك بعده أسرة تحزن عليه وتقيم له الاحتفالات الجنازية، فكان من الطبيعي إذن أن يوضع المتوفى في حماية «أوزير» بصفته ابن «جب» إله الأرض.
وقد صار من المعتاد من القرن الرابع والثلاثين قبل الميلاد فصاعدا أن يدفن الموظفون المقربون وأشياع فرعون في الجبانة الملكية كما نشاهد ذلك في مقابر الأسرة الأولى بالعرابة المدفونة. فكان هؤلاء المذكورون يؤلفون بذلك نوعا من البلاط الجنازي حول قبر مليكهم الذي خدموه مدة حياتهم الدنيا، وقد صار الملك بذلك مقيدا شيئا فشيئا بالتزامات لمساعدة رجاله الأشراف في بناء مقابرهم، ومدهم من خزانة الدولة بما يساعد على بهاء جنائزهم وكمالها، فكان طبيب الملك المقرب يتسلم إذنا على الخزانة والمحاجر الملكية ليعمل له «باب وهمي» عظيم فخم من الحجر الجيري الأبيض الضخم وينقل إلى مقبرته. ويقص علينا المتوفى تلك الحقائق بسرور عظيم وتفصيل مبين في نقوش قبره.
अज्ञात पृष्ठ