ثم إن الله عز وجل أرسل إليه النمل، فكلمته في سجنه فقلن له: إن الله تعالى يقول: لأخرجنك من سجنك، ولأنجينك ولمن سمع لك، ثم لأخربن القرية، يعني: بيت المقدس، وأخبرهم أن ملكا يدعى بخت نصر سيحيط بالقرية، فيقتل فيها.
وكان أرميا قبل ذلك قد أخذ من بخت نصر أمانا لبيت المقدس ومن فيها قديما، فلما بلغ سهول الرملة، وأعلم أرميا بذلك، أخبر الملك حتى أطلقه، فأنزل إليه بالأمان فأنزله، فوجده راكبا فرسا، وفي يده سيف عريض قد تركه على عنق الفرس، وعليه مكتوب هذه الأبيات:
إذا كنت لا ترجى ولا أنت تتقي ... فأنت كالميت على نعشه
لا تنبش الشر فتصلى به ... فقل من يسلم من نبشه
والبغي صراع له صولة ... تستنزل الجبار عن عرشه
للبحر أقراش لهم وثبة ... فلا يكن ما عشت من قرشه
إذا طغى بالكبش شحم الكلى ... أدس منه الرأس في كرشه
قال: فأعطاه الأمان، فنظره فقال: هو أماني، ولكني مبعوث، وقد أمرت أن أرمي سهمي، فحيث ما وقع طلبت الموضع. قال: فرمى بسهم فوقع في قبة بيت المقدس، فرجع إليهم أرميا فأخبرهم بذلك، فرجع ملكهم فسجنه، وضجوا إلى الله تعالى، وقالوا: تسلط علينا بخت نصر ونحن خير منه. فأوحى الله إليهم: إنما أحب إليكم نقتلكم وتسلم العامة، أو تقتل العامة وتسلموا؟ فقالوا: نحن أعلم بالبلاء.
وكان الأمان الذي كتبه بخت نصر لأرميا كتبه وهو صبي أقرع، وقد رآه يأكل ويتغوط ويقتل القمل، فقال له: ما هذا؟ فقال: أذى يخرج ومنفعة تدخل وعدو يقتل. فقال له: سيكون لك شأن، فأخذ منه الأمان فكتبه له في جلد.
पृष्ठ 32