दुहा इस्लाम

अहमद अमीन d. 1373 AH
69

दुहा इस्लाम

ضحى الإسلام

शैलियों

وليحذر من المنافقين يدسون الدسائس ليوغروا الصدور، ويفرقوا القلوب، ويقول: «إن كان لا يمكن ذكر مناقب الأتراك إلا بذكر مثالب سائر الأجناد؛ فترك ذكر الجميع أصوب، والإضراب عن هذا الكتاب أحزم.»

16

وعلى الجملة؛ فقد صرح فيه «أنه يرمي إلى تعديد مناقب الترك، من غير أن يتعرض لذم غيرهم.» ولكنه لم يضبط قلمه، فجمح به أحيانا إلى تفضيل الترك على غيرهم في بعض الأمور، لكن من العسير عد هذا القدر شعوبية.

على أن الجاحظ في نظرنا لم يكن يعبر عن رأيه في مدح الشيء وذمه، بل كان يذم الشيء ويمدحه إجابة لدعوة كبير، أو رغبة في إظهار مقدرته البيانية على تصوير الشيء بصورتين متباينتين، فإن نحن اعتمدنا على القرائن فما في كتاب البيان والتبيين أدل على نفسه، ولذلك نرجح أنه ليس شعوبيا.

وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه، وستارهم الذي يستترون به، وسيأتي طرف من ذلك عند الكلام في الشيعة. (7)

يذهب ابن قتيبة إلى أن الذين اعتنقوا الشعوبية هم سفلة الناس وغوغاؤهم فيقول: «ولم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة، ولا أشد نصبا للعرب من السفلة، والحشوة، وأوباش النبط، وأبناء أكرة القرى. فأما أشارف العجم، وذوو الأخطار منهم، وأهل الديانة، فيعرفون ما لهم وما عليهم، ويرون الشرف نسبا ثابتا.» ولكن يظهر أنه اقتصر على من يتظاهر بالشعوبية، وهؤلاء كانوا كما ذكر ابن قتيبة. أما الأشراف فكانت حركتهم سرية خفية، لا يجرءون أن يظهروا بها لكبر مراكزهم، وخشية من الشك فيهم عند الخلفاء، فهم يؤيدون من وراء حجاب هذه الحركة، فلا يراها ابن قتيبة وأمثاله. وقد ذكر ابن قتيبة أن ممن ذهب مذهب الشعوبية «قوما تحلوا بحلية الأدب، فجالسوا الأشراف، وقوما اتسموا بميسم الكتابة فقربوا من السلطان، فدخلتهم الأنفة لآدابهم، والغضاضة لأقدارهم من لؤم مغارسهم، وخبث عناصرهم، فمنهم من ألحق نفسه بأشراف العجم، واعتزى إلى ملوكهم وأساورتهم، ودخل في باب فسيح لا حجاب عليه، ونسب واسع لامدافع عنه، ومنهم من أقام على خساسته ينافح عن لؤمه، ويدعي الشرف للعجم كلها ليكون من ذوي الشرف، ويظهر بغض العرب بتنقصها، ويستفرغ مجهوده في مشاتمها، وإظهار مثالبها، وتحريف الكلم في مناقبها، وبلسانها نطق، وبهممها أنف، وبآدابها تسلح عليها، فإن هو عرف خيرا ستره، وإن ظهر حقره، وإن احتمل التأويلات صرفه إلى أقبحها، وإن سمع سوءا نشره، وإن لم يجده تخرصه!»

17

فالحق أن الشعوبية لم تكن في السفلة وحدهم، وهؤلاء السفلة لم يكونوا الآخذين بزمامها، وإنما كان معهم كثير من الطبقة المتعلمة الراقية، وإن لم يرق نسبها إلى الملوك والأشراف، وهؤلاء هم الذين كان لهم الأثر الشعوبي في الأدب والعلم - كما سترى - من وراء هؤلاء وهؤلاء طبقة بلغت أعلى المناصب في الدولة، فكانوا يمدونهم سرا بجاههم وبمالهم، فقد ألف علان الشعوبي كتابا في مثالب العرب؛ فأجازه طاهر بن الحسين عليه بثلاثين ألفا ...

وإذ كان هؤلاء العقلاء الماكرون هم رؤساء هذه الدعوة كانت حربهم علمية أدبية دينية أكثر منها ثورات ظاهرة. •••

بلغت هذه الحركة أوجها في القرن الثالث الهجري، وساعد على ذلك الخلفاء العباسيون، تعصبوا للإسلام، ولم يتعصبوا كثيرا للعربية؛ فحاربوا الزندقة، ولم يحاربوا - في شدة - النزعة العجمية، وذلك طبيعي لأن أكثرهم كما أبنا مولدون. ولقي العرب من العجم عنتا شديدا، فالوزراء أكثرهم عجم، والدسائس تدس في القصور لإضعاف شأن العرب، وإذا ثار العرب في جزيرتهم أو في الأطراف نكل بهم قواد العجم وجيوشهم أشد تنكيل، وفي أعماق نفوسهم شعور بأنهم ينتقمون منهم من يوم القادسية، ولم يكن شعور الترك الذين جلبهم المعتصم بأحسن حالا من شعور الفرس، وكثر الشعر في هذا القرن والذي بعده من الأعاجم الذين تعلموا العربية، يفخرون بنسبهم، ويعتزون بقومهم، فافتتح ذلك بشار بن برد كما رأيت، وتبعه ديك الجن الشاعر المشهور. قال في الأغاني: «وكان شديد التشبب والعصبية على العرب، يقول: ما للعرب علينا فضل، جمعتنا وإياهم ولادة إبراهيم عليه السلام، وأسلمنا كما أسلموا، ومن قتل منهم رجلا منا قتل به، ولم نجد الله عز وجل فضلهم علينا إذا جمعنا الدين!»

अज्ञात पृष्ठ