وقال في موضع آخر في الكلام على الزنج: «وهم أطبع الخلق على الرقص، والضرب بالطبل؛ على الإيقاع الموزون، من غير تأديب، ولا تعليم. وليس في الأرض أحسن حلوقا منهم.»
7 «واشتهر الهند بالحساب، وعلم النجوم، وأسرار الطب، والخرط، والنجر، والتصاوير، والصناعات الكثيرة العجيبة.»
8
كذلك كانوا يختلفون في الأهواء، والميول السياسية، يوضح ذلك ما رواه ابن قتيبة: «قال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة، وأراد توجيههم: أما الكوفة وسوادها، فهناك شيعة علي بن أبي طالب. وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف، وتقول: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى. وأما أهل الشام؛ فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة بني مروان؛ عداوة لنا راسخة وجهلا متراكما. وأما أهل مكة والمدينة؛ فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر. ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر ، وصدورا سليمة، وقلوبا فارغة، لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم تشغلها ديانة، ولم يتقدم فيها فساد، وليست لهم اليوم همم العرب، ولا فيهم كتحازب الأتباع بالسادات، وكتحالف القبائل، وعصبية العشائر. ولم يزالوا يذلون، ويمتهنون، ويظلمون ويكظمون، ويؤملون الدول، وهم جند لهم أجسام وأبدان، ومناكب وكواهل، وهامات ولحى وشوارب، وأصوات هائلة، ولغات فخمة تخرج من أفواه منكرة.»
9
كذلك كان في كل أمة من هذه الأمم طوائف مختلفة لها شعائر، وعادات خاصة؛ فمنهم يهود حافظوا على تقاليدهم، وحرموا التزاوج إلا منهم، ونصارى تمسكوا بشعائرهم وعاداتهم، ومجوس يقيمون هياكلهم، ويوقدون نيرانهم.
كما نجد خلافات في الآداب، ففرس لهم أدب هو نتيجة تاريخهم، وحياتهم الاجتماعية، وعراقيون لهم آداب قديمة ورثوها مما اعتورهم من الدول، ومصريون لهم أدب كذلك، وأدب هندي، وأدب شامي، وأدب يوناني روماني.
دع عنك الاختلافات الإقليمية؛ فأمة تعيش في جبل، وأخرى في سهل، وجو بارد شديد البرودة، وحار شديد الحرارة، وأمة ساحلية، وأمة صحراوية. وما يستتبع ذلك من خلاف بين الأمم في العادات، والطبيعة، والمزاج.
كل هذه الاختلافات التي لم نذكر منها إلا أمثلة قليلة؛ كانت تكون المملكة الإسلامية في العصر العباسي الأول، وكانت ساحتها وعاء تصهر فيه هذه المواد المختلفة، وتتفاعل فيه كما تتفاعل الأجسام المختلفة كيماويا. وقد كانت هناك عوامل قوية ساعدت على هذا الامتزاج ألممنا بها في الجزء الأول من كتابنا.
10
अज्ञात पृष्ठ