وهذا ما سنحاول وصفه في الباب الآتي. وسنقتصر من وصف الحياة الاجتماعية، على ما له أثر كبير في العلم والفن.
الفصل الأول
سكان المملكة الإسلامية في هذا العصر
واضح أن الأمم تختلف في ميزاتها اختلافا كالذي بين أفرادها؛ فهي تختلف في عاداتها ، وتجاربها، وفي منهج تفكيرها، وكفايتها، ودرجة عقليتها، ومقدار ثقافتها، وحدة عواطفها، أو هدوئها.
وفوق ذلك؛ نرى أن لكل أمة «أدبا» يختلف عن أدب الأمم الأخرى، وأدب كل أمة منتزع من طبيعة إقليمها، وتاريخها، وخيالاتها، وملوكها وسوقتها، وعقلائها وسخفائها، وصلحائها ومجرميها، ومن نظامها السياسي، وعلى الجملة من كل شيء يتصل بحياتها.
نستطيع بعد ذلك أن نقول إن المملكة الإسلامية في هذا العصر كانت مكونة من أمم مختلفة؛ فقد كان من أجزائها المغرب حينا، ومصر والشام وجزيرة العرب، والعراق، وفارس، وما وراء النهر. وكانت هذه الأمم تختلف فيما بينها كل الاختلافات التي أبناها. وكلها خضعت للحكم الإسلامي، وتكون منها جميعا مملكة واحدة، وكان لكل أمة من هذه الأمم مزايا وصفات عرفت بها؛ فشهر العرب مثلا بالقدرة على الشعر؛ حتى قال أحمد بن أبي داود: «ليس أحد من العرب إلا وهو يقدر على قول الشعر، طبعا ركب فيهم، قل أو كثر
1 ». واشتهر أهل السند بالصيرفة، والعلم بالعقاقير. يقول الجاحظ: «إن السند لهم طبيعة في الصرف، لا ترى بالبصرة صيرفيا إلا وصاحب كيسه سندي، واشترى محمد بن السكن أبا رواح السندي، فكسب له المال العظيم، وقل صيدلاني عندنا، إلا وله غلام سندي، فبلغوا أيضا في الخبرة، والمعرفة بالعقاقير، وفي صحة المعاملة، واجتلاب الحرفاء مبلغا حسنا»،
2
واشتهر أهل مرو، وخراسان بالبخل؛ حتى قال في العقد الفريد: «أجمع الناس على بخل أهل مرو، ثم أهل خراسان؛ قال ثمامة بن أشرس: ما رأيت الديك قط في بلدة إلا وهو يدعو الدجاج، ويثير الحب إليها، ويلطف بها. إلا في مرو، فإني رأيته يأكل وحده! فعلمت أن لؤمهم في المأكل. ورأيت في مرو طفلا صغيرا في يده بيضة، فقلت له: أعطني هذه البيضة! فقال: ليس تسع يدك؛ فعلمت. أن اللؤم والمنع فيهم بالطبع المركب، والجبلة المفطورة.»
3
अज्ञात पृष्ठ