ولا يوصف تعالى بالسكوت ولا بالترك على الحقيقة؛ لأن الترك هو كف النفس عن الفعل الذي تتركه، وضبط النفس عن ذلك، فلما كان الله سبحانه وتعالى لا تحل أفعاله فيه لم يجز أن يكف نفسه عنها ولم يجز أن يكون تاركا لها.
ولا يوصف تعالى بأنه ناطق؛ لأن النطق إنما هو الصوت لا الكلام، ودليل ذلك قوله تعالى: {علمنا منطق الطير} (¬1) ، وقد علمنا أن الطير لا تتكلم؛ لأنه لو كان نطقها كلاما لفهمنا نحن إذا سمعناه؛ لأنا نفهم الكلام، فلما كانت أصوات الطير بخلاف الكلام الذي نفهم صح أن منطق الطير إنما هو صوت ليس هو بكلام، فلم يجز على الله النطق أو جاز عليه الكلام. وأيضا فإن النطق هو مثل الصياح والصراخ، وذلك لو أن رجلا ضرب فصاح وصرخ لم يقل: إنه لم ينطق، ولو أنه سكت فلم يصرخ ولم يصح لقيل: إنه لم ينطق، فلما لم يجز على الله الصياح ولا الصراخ إذ كان ذلك إنما يجوز على المخلوق الذي يحل صياحه وصراخه في لسانه ولهواته، لم يجز أيضا عليه النطق من جنس الصياح والصراخ، ولم يكن من جنس الكلام. فإن وجدنا في بعض الكلام ما يدل على أن الكلام نطق فإن ذلك محمول على المجاز دون الحقيقة.
पृष्ठ 52