واللغة ناطقة شاهدة (¬1) بذلك؛ يقول القائل: قد أرى ما يجيء منك، وأرى الحق كما أراك، يعني: أعرف الحق كما أراك (¬2) بعيني. ألا تسمع إلى قول الله عز وجل: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون} (¬3) ، وهم إذ ذاك لم يكونوا وإنما خلقوا من بعدهم، وقوله تعالى: {قبلهم} دليل على أنهم لم يكونوا إذ ذلك. ولكن المعنى: ألم يعرفوا ذلك بالأخبار؟. وقوله عز وجل: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} (¬4) ، والموت لا يرى جهرة، وإنما رؤيته بالمعرفة له.
باب نفي الرؤية
/88/ قال الله عز وجل: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} (¬5) ، فامتدح بذلك، ومدائح الله تعالى لا تزول في الدنيا ولا في الآخرة، فمن زعم أن الأبصار تدركه فقد زعم أن هذا المدح يزول عنه في الآخرة، ومن زعم ذلك فقد جعل أنه منقوص، وهذا كفر بالله؛ لأن كل من كان النقص من صفته فليس بإله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقد نفى الله عز وجل أن تدركه الأبصار، وأن يرى الله جهرة، فهو لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. فإن قال قائل: إنه لا يرى في الدنيا ويرى (¬6) في الآخرة كان عليه الدليل.
पृष्ठ 203