قد تخللت موضع الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا
زعم من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل وقال محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله وهذا الزعم باطل لأن الخلة خاصة وهي توحيد المحبة كما تقدم والمحبة عامة قال الله تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقد صح أن الله تعالى اتخذ نبيًا خليلًا فحصل من أنعام الحب العام على الخاص والعام:
حللت بهذا حلةً ثم حلة ... بهذا فطاب الواديان كلاهما
والغرام الحب اللازم يقال رجل مغرم بالحب وقد لزمه الحب. وفي الصحاح الغرام الولوع والغريم الذي يكون عليه الدين وقد يكون الذي له الدين: قال كثير:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، وله أسماء غير هذه أضربت عنها خوف الإطالة والمحبة.
أم باب هذه الأسماء كلها وقيل الشوق جنس والمحبة نوع منه، ألا ترى أن كل محبة شوق وليس كل شوق محبة وخالف ذلك صاحب المنظوم والمنثور. فقال: زعموا أن العشق والوجد والهوى أن يهوى الشيء فيتبعه غيًا كان أو رشدًا والحب حرف تنتظم هذه الثلاثة فيه، وقد يقال للعاشق والواجد والذي يهوى الأمر محب وللناس في حد المحبة كلام كثير فقيل: هي الميل الدائم بالقلب الهائم وقيل: هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك. وقيل: ذكر المحبوب على عدد الأنفاس كما قال المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام كما قيل:
ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائمًا كما قال الآخر:
خيالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فاين تغيب
وفي اشتقاقها أيضًا أقوال فقيل هي مشتقة من حبة القلب وهي سويداؤه، ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب وقيل هي مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك فلم يقم وقيل من حباب الماء فتح الحاء وهو معظمه أو يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب وقيل: من حب الماء الذي يوضع فيه لأنه يمسك ما فيه من الماء ولا يسع غيره إذا امتلأ به كذلك إذا امتلأ القلب من الحب فلا اتساع فيه لغير المحبوب وعلى ذكر حب الماء الذي يسميه المصريون الزير ما أحسن قول القاضي محيي الدين عبد الظاهر ملغزًا في كوز الزير وفيه اعتراض يشينه وحسن نظم يزينه.
وذي أذن بلا سمع ... له قلب بلا قلب
إذا استولى على حب ... فقل ما شئت في الصب
الفصل الرابع
مدحه وذمه
أقول هذا الفصل عقدناه لمدح العشق وذمه وترياقه وسمه فكم مدحه عاقل وذمه متعاقل هيهات فات من ذمه المطلوب ومن أي للوجه المليح ذنوب فمن خصاله المحمودة وفضائله الموجودة ما قاله العلامة قدامة العشق فضيلة تنتج الحيلة وتشجع الجبان وتسخي كف البخيل وتصفي ذهن الغبي وتطلق بالشعر لسان العجم وتبعث حزم العاجز وهو عزيز يدل له عز الملوك وتضرع له صولة الشجاع وهو داعية الأدب وأول باب تفتق به الأذهان والفطن وتستخرج به دقائق المكايد والحيل وإليه تستريح الهمم وتسكن نوافر الأخلاق والشيم يمتع جليسه ويؤنس أليفه وله سرور يجول في النفوس وفرح يسكن في القلوب وقيل لبعض العلماء أن ابنك قد عشق فقال الحمد لله، الآن وقت حواشيه ولطفت معانيه وملحت إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وجلت شمائله فواظب على المليح واجتنب القبيح وقيل لآخر كذلك فقال لا بأس إذا عشق لطف وظرف ودق ورق وقيل للبزرجمهر متى يكون الفتى بليغًا فقال إذا صنف كتابً أو وصف هوى أو حبيبًا وقد صدق فيما قال العباس ابن الأحنف:
وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى ... ولا خير فيمن لا يحب ويعشق
وقال غيره:
وما سرني أني خلى من الهوى ... ولو أن لي ما بين شرق ومغرب
وقال آخر:
ولا خير في الدنيا بغير صبابة ... ولا في نعيم ليس فيه حبيب
وقال آخر:
اسكن إلى سكن تلذ بحبه ... ذهب الزمان وأنت خالٍ مفرد
وقال آخر:
1 / 10