दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
رسالتنا هي التبليغ والتعبير وإيصال الحقيقة للناس، وتقديم التراث لهم يقرءون فيه حياتهم، ويجدون فيه هويتهم؛ لذلك يجد الباحث نفسه اليوم في مواجهة قضية اللغة والمصطلحات، ومستويات التحليل، والمحاور والبؤر الحضارية وإعادة الاختيار بين البدائل القديمة.
إن التحدي الذي يواجه الباحث اليوم هو القدرة على تجاوز اللغة القديمة ومحاولة إعادة بنائها، والتخلي عن أشكالها القديمة ووضع معانيها في ألفاظ جديدة أكثر إغراء للناس، وأكثر قبولا لدى الشباب والطلاب؛ فغالبا ما تستهوي المفكرين اليوم ألفاظ الحرية والعدالة، والمساواة والتقدم، والشعب والمجتمع والتاريخ، ولا تستهويهم الألفاظ القانونية القديمة التي توحي بالغرض؛ مثل الواجب، والحلال، والحرام، أو ألفاظ العبادات؛ مثل الصلاة، والصيام. وما أسهل التعبير عن المضمون القديم بلفظ جديد! فالصلاة تكشف عن الفعل في الزمان، عن الفتور والتراخي، وعن الحال والقضاء، والزكاة مشاركة في الأموال، والصيام إحساس بالآخر. الواجب هو الفعل الملتزم، والحرام هو الفعل الذي ينتج عنه ضرر وسلب، وعدم وفناء، والمندوب هو الفعل التطوعي، والمكروه هو الإرادي، والمباح هو الطبيعي. ليس الأمر مجرد تغيير لفظ بلفظ، بل تجديد الفكر وتطوير الحضارة، وهو ما مارسه القدماء من قبل خاصة الحكماء حين تمثلوا الغرباء، وأحالوا الثقافات القديمة روافد أصلية لحضارتهم. إن اللغة الجديدة وحدها هي القادرة على مخاطبة الناس وعقد حوار بينهم؛ فهي لغة التفاهم والخطاب المشترك.
إن مهمة الباحث حاليا هي إعادة النظر أيضا في مستويات التحليل. هل يريد الإبقاء على المستويات القانونية والإلهية والطبيعية، أو يريد تغيير هذه المستويات التي لم تعد قائمة في شعور الجماعة ليقوم بالتحليل على مستويات أخرى؛ مثل المستوى النفسي والاجتماعي. هذا إذا أردنا اكتشاف التراث كمخزون نفسي لدى الجماهير على المستويين؛ المستوى الحضاري والتاريخي، وإذا أردنا أن نعرف مع أي نمط حضاري نحن نتعامل، وفي أية مرحلة من التاريخ نحن نعيش؛ فبهذا يتم وضع التراث القديم في منظور تاريخي داخل الوعي الحضاري كمرحلة إبداع أولي (القرون السبعة الأولى)، تلتها مرحلة تدوين ثانية (القرون السبعة التالية)، وبالتالي فإننا على مشارف دورة ثالثة تتمثل في إعادة بناء القديم بضرب من التأويل والقراءة؛ من أجل إبداع جديد.
إن مهمة الباحث أيضا هي إعادة النظر في المحاور والبؤر الحضارية القديمة. كان الله محورا أساسيا عند القدماء، وكان الوحي بؤرة الحضارة، منه تخرج العلوم في دوائر متداخلة حوله. وكان ذلك طبيعيا وسط الحضارات والديانات القديمة التي كادت تفقد «التعالي» و«الوحي». ولكن هذا المحور وهذه البؤرة قد تم اكتسابهما الآن، بل أصبح حضورهما على حساب محاور وبؤر أخرى. ضاع الإنسان أمام حضور الله، وضاع التاريخ أمام حضور الوحي. قد تكون مهمة الباحث اليوم هي إعادة ترتيب المحاور والبؤر، واكتشاف الإنسان والتاريخ؛ إذ يضرب بنا المثل للمجتمعات اللاإنسانية التي لا تعرف الزمان. وترسل إلينا لجان الأمم المتحدة لدراسة أوضاعنا بالنسبة إلى حقوق الإنسان. كما أننا خارج التاريخ، ولا نعلم في أية مرحلة من التاريخ نحن نعيش، وليس لدينا تراكم تاريخي. يبدأ كل جيل وينتهي، ثم يبدأ الجيل الثاني كما بدأ الأول من الصفر. ولا يكاد يمر جيلان أو ثلاثة حتى يبدأ القرص في السقوط؛ نهبط بمجرد أن نعلو، لقد عمرت نهضتنا الأخيرة أربعة أجيال فحسب قبل أن نشاهد تعثر النهضة وكبوة الإصلاح.
10
ومهمة الباحث أيضا هي إعادة الاختيار بين البدائل. فقد تم اختيار البدائل القديمة لحسم الصراع لصالح السلطة. يستطيع الباحث اليوم أن يعيد الاختيار بينها لصالح الجماهير، فكلها على مستوى واحد من الاجتهاد والنظر، دون تكفير لأحدها وتصويب للآخر. وربما يمكنه أن يجد بدائل جديدة تماما لم يطرحها القدماء بدافع المسئولية التاريخية، وبروح الدقة العلمية، مع مزيد من الثقة بالنفس والوعي بالواقع والجرأة في التشريع.
11
بهذا الموقف من التراث القديم يمكن تحقيق عدة منافع؛ منها: (1)
وضع الأستاذ والطالب وسط أحداث العصر، فيتحول الفكر بالتالي إلى واقع، والتراث إلى حياة، والفلسفة إلى رسالة، والعلم إلى قضية، وتمحي الثنائية في الشخصية بين الباحث والمواطن، فلا يجد الطالب نفسه مضطرا إلى الاختيار بين أن يسمع أستاذا مكتسبا بالعلم يبيع الكتاب المقرر ويفرضه، فيقبل الطالب هذا الأمر من أجل لقمة العيش المتمثلة في حصوله على الشهادة، وبين قلبه وحسه وعقله المحاصر والمهموم بقضايا الوطن؛ سواء في الجماعة الدينية أو في الحزب السري، أو في الغضب والتمرد، فينتهي بهجرة إلى الخارج أو هجرة إلى الداخل، أو إجهاض نهائي يؤدي إلى الانهيار النفسي والانتحار الفعلي، كما هو الحال عند بعض المفكرين والأدباء. (2)
نزع سلاح التراث من أيدي الخصوم في الداخل وفي الخارج، ومن ثم القضاء على أهم معوقات التقدم، وذلك ببيان نشأة تراث السلطة، وإجهاض تراث المعارضة؛ أعني مؤامرة التشويه لتراث المعارضة والصمت عنه، فتدخل معارك التراث بالتالي المعارك من قميص الأشعري: الواحد الذي يسمع ويرى ويبصر ويفعل كل شيء، ومن جبة الغزالي: الواحد الذي منه يفيض كل شيء، ومن جلباب ابن سينا: الواحد الذي إليه يرجع كل شيء، ومتاهات أجهزة الإعلام ودورها في تزييف الوعي القومي كما هو الحال في متاهات الفقه الافتراضي، وتأويل النصوص. فما معارك التأويل في حقيقة الأمر إلا صراع اجتماعي مقنع بثقافة الجماهير، وبثقل التراث في وجدان العصر. (3)
अज्ञात पृष्ठ