दिरासत फलसफिया इस्लामी
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
शैलियों
6
لقد جمعت كل هذه التفسيرات معلومات تاريخية صرفة، فحولت التفسير إلى تاريخ، أو جعلت المعلومات موجهة نحو علم معين من العلوم العقلية أو النقلية، وغلب عليها جميعا التفسير الطولي، سورة بسورة، وآية بآية، فتتقطع الموضوعات وتتبعثر، ولا يكون لها إطار نظري واحد. إن مهمتنا اليوم هي استئناف التفسير النفسي الاجتماعي؛ النفسي من أجل التأثير على الناس وإحياء العقيدة في القلوب، والاجتماعي من أجل وضع مصالح الأمة في قلب النص وقراءة احتياجاتها فيه، وقد كانت من قبل أساس الوحي على ما هو معروف من مقاصد الشريعة عند القدماء. بل إن علينا إضافة التفسير السياسي للمساهمة في حل إشكال العصر وتمزقه بين المحافظة الدينية وبين التقدمية العلمانية، وبعد أن برز «الإسلام السياسي» كبديل مطروح - نظري وعملي - بعد الصحوة الإسلامية الحالية التي فجرتها الثورة الإسلامية في إيران.
7
أما علوم الحديث فقد كان الهدف منها عند القدماء ضبط الرواية من خلال السند والعلوم المخصصة والموضوعة لذلك؛ مثل علم ميزان الرجال أو علم الجرح والتعديل. وكان هذا طبيعيا في عصر العلم فيه رواية ونقل، والضبط فيه من خلال شعور الرواة. ولكن مهمتنا اليوم إعادة ضبط الرواية من خلال المتن والأشكال الأدبية للنص ومقارنته بالأمثال العربية القديمة، ومعرفة مقدار ما فيه من خصوص بالنسبة إلى عموم القرآن، وتطبيق شروط التواتر الأربعة، وفي مقدمتها الإخبار عن حس حتى يمكن تخليصه مما علق به من آثار شعبية ما زالت تؤثر في خيال العامة.
أما علوم السيرة فقد نشأت بدافع جمع المعلومات التاريخية عن الشخصيات وأولها بطبيعة الحال شخصية الرسول؛ اعتمادا على بعض الأحاديث الضعيفة خاصة فيما يتعلق بالفترة السابقة على حياته وما بعد موته، وربما تحت تأثير أنماط دينية سابقة تتعلق بحياة الأنبياء قبل البعثة وفي مرحلة الطفولة وبعد البعث والصعود إلى السماء. لقد درجت علوم السيرة على أن تقرأ الحاضر في الماضي، وتخلع على النبي ضروب البطولة ونسج الخيال. وأصبحت المعجزة عملا رئيسيا بعد أن كانت جزءا من تاريخ النبوة وإحدى وسائل الإقناع السابقة. تحولت الرسالة إلى شخص، وتركزت النبوة في شخص النبي مع أنه مجرد وسيلة لتبليغ الوحي. وقد يكون هذا أحد أسباب التشخيص في حياتنا القومية وأحد أسباب عبادة الأشخاص. إن مهمة دارس السيرة اليوم وكاتبها هي العودة من الرسول إلى الرسالة، ومن النبي إلى النبوة، ومن الشخص إلى المبدأ، فليس النظام هو الزعيم ولا الدولة هي رئيسها.
8
وإذا كان علم الفقه القديم قد ركز على العبادات دون المعاملات في عصر كانت العبادات فيه هي الجديد والمعاملات هي القديم، كما ركز على المسائل الافتراضية النظرية، وليس على المسائل الواقعية العملية وذلك تركا منه للعالم إلى السلطان، وتركا للعلاقات الاجتماعية للنظام، وإشغالا منه للناس بما لا يفيد، وبمسائل لا ينتج عنها عمل؛ تفريغا للطاقة، وإبعادا للنشاط؛ فإن مهمة الفقيه اليوم إعادة الاختيار من أجل تأسيس فقه المعاملات كما تأسس فقه العبادات من قبل، ومن أجل إعطاء الأولوية للمسائل العملية الواقعية على المسائل الافتراضية النظرية، ومن أجل تأسيس فقه الطبيعة والوجود الإنساني كما أسس القدماء فقه الأحكام.
أما العلوم العقلية الخالصة؛ سواء العلوم الرياضية (الحساب، الهندسة، الجبر، الموسيقى، الفلك)، أو العلوم الطبيعية (الطبيعة، الكيمياء، النبات، الحيوان، الطب، الصيدلة)، أو العلوم الإنسانية (اللغة، الأدب، الجغرافيا، التاريخ)؛ فإنها لم تترسب في وجداننا القومي ترسب العلوم العقلية النقلية الأربعة، أو العلوم النقلية الخمسة؛ لذلك توقفت العلوم الإنسانية وحلت محلها العلوم الشرعية، وتوقفت العلوم الرياضية والطبيعية، وحل محلها النقل من الغرب. لم نعد نساهم في تاريخ العلم، وتحول العلم عند القدماء إلى موضوع جامعي «تاريخ العلوم عند العرب» كنوع من الاعتزاز بالماضي؛ تعويضا عن مآسي العصر في النقل عن الآخرين ، واستهلاكنا للمعرفة دون إبداع لها، ونقلنا للتقنية دون اكتشاف لها. وكررنا صورتنا في كتب الاستشراق كحلقة اتصال بين علم اليونان وبين علم الغرب الحديث، وكنقلة لا نحسن فهم ما ننقل، بل نخلط ما ننقل ونزيد عليه من موضوعات الإيمان. قد تكون مهمتنا اليوم هي البحث عن الصلة بين التوحيد وبين حساب اللامتناهي أو الفن العربي، والصلة بين واقعية الإسلام ونظرته الحسية المادية، وبين نشأة علوم الطب والكيمياء والصيدلة والحيوان والنبات، والصلة بين الإنسان سيدا للكون سخرت قوانين الطبيعة لصالحه وبين التقنيات الإسلامية واختراع الآلات.
وبالإضافة إلى هذا الوصف التفصيلي للعلوم ودورنا في إعادة بنائها وتطويرها من واقع المسئولية، فإن القدماء «هم رجال ونحن رجال، نتعلم منهم ولا نقتدي بهم».
9
अज्ञात पृष्ठ