رحمهم الله جميعا رجالا حين يعز الرجال. جمعوا الإباء والكبرياء إلى العلم الباذخ والخلق المتفرد الرفيع. (7) العوضي الوكيل
كنت أنتظر الشهادة الابتدائية بغزالة حين أمرني أبي أن أصحب الشاعر العوضي الوكيل إلى الزقازيق ليستقل القطار إلى القاهرة، وكانت وسيلة المواصلات المتاحة عربة حنطور.
وفرحت أنني سأصحب هذا الشاعر الذي أقرأ له في الأهرام فترة ساعة تقريبا.
وبدأ الحديث، أكلمه في الشعر، ويكلمني في المقرر، وكان واضحا أنه يرفض أن يقبلني كأحد هواة الأدب والشعر، فأسلمت أمري إلى الله، وسكت كل منا.
وبعد ذلك عرفت أن سكوته كان أعجوبة في ذاته؛ فهو بطبيعته لا يحب أن يسكت أبدا.
التقينا بعد ذلك في القاهرة، وعرفني العوضي تمام المعرفة، وعرفته تمام المعرفة، فلم أر في حياتي شخصا نقي السريرة، طيب النفس، محبا للخير مثل هذا الرجل.
وتعودت بعد ذلك أن أسمع شعره وأعجب به، إلا أنني كنت كثيرا ما أداعبه؛ فأنقد بعض الألفاظ في أبياته، فكان لطيبته وسلامة نفسه يرتج عليه، وترتسم على وجهه معالم الحيرة.
وقد عرف هذا عني بين أصدقائنا من الشعراء والأدباء. حتى لأذكر أن الشاعر الرصين الأستاذ خالد الجرنوسي أنشد قصيدة في حفل أقامه أدباء العروبة بمناسبة حصولي على ليسانس الحقوق، وقد كان هذا الحفل تحية من هذه الجماعة العظيمة الوفاء لأبي، وليس لي بطبيعة الحال، وخاصة أنه لم يكن وزيرا في ذلك الحين. وكانت قصيدة الأستاذ خالد الجرنوسي غاية في الجمال، وقوة السبك، وأستأذن في ذكر هذا البيت منها لأستشهد به على ما كان بيني وبين الأستاذ العوضي من مداعبات:
الناقد الطبن اللبيب رأيته
يتفزع العوضي من نقدانه
अज्ञात पृष्ठ