رواية الرواية
تعودنا لسنوات أنا ونجيب محفوظ أن نقضي بعد الظهيرة من أيام الخميس معا، ثم نسهر معا في الحرافيش، وكان دأبنا أن نذهب معا إلى مقهى عرابي بميدان الجيش بالعباسية، ونجلس هناك مع أصدقاء العباسية، وأغلبهم من رفاق الطفولة والصبا والشباب الباكر لنجيب محفوظ، وكانوا جميعا يعرفونني بحكم إقامتي في العباسية؛ ولهذا كنت أشعر بينهم بألفة لا يحسها الإنسان إلا مع أصدقاء قدامى. وكنا نتركهم في الثامنة ونتجه إلى مكتب الأديب الفنان المحامي عادل كامل بشارع فؤاد، وكنا كثيرا ما نضطر أن نترك السيارة في مكان بعيد بعض الشيء عن مدخل المكتب الذي كان لا بد أن يخترق من أجله مقهى بين عمارتين ضخمتين. وكنا نجلس قليلا بمكتب عادل كامل، ثم نتجه جميعا إلى سهرة حرافيش بعد أن نكون قد اشترينا - أو اشترى نجيب على الأصح - كيلو كباب من العباسية، وكيلو حلويات شامية من ميدان الأوبرا. وكان نجيب يشارك في أكل الكباب، ولا يذوق الحلويات الشامية تنفيذا لأوامر الطبيب التي يصدع لها بكل الأمانة التي نعرفها عن نجيب في كل ناحية من نواحي الحياة، اتصلت هذه الناحية بخاصة شأنه أو بشأن الآخرين.
تركنا السيارة في مكان تصادف أنه كان بعيدا بعض الشيء عن مكتب عادل كامل، ومشينا نتناقل الحديث في شئوننا السياسية، وفجأة وجدتني أقول له: «نجيب بك إن أحدا لم يتكلم حتى الآن في شرعية حكم الطاغية.»
وصمت نجيب لحظات، ثم قال: «فكرة جيدة.»
قلت: «ربما حاولتها.»
وانتهى الحديث عند ذلك، وقضينا سهرتنا كما تعودنا أن نقضيها، ولكن الفكرة ظلت تدور في ذهني وتلح علي في إصرار شديد.
وما لبثت الأيام أن أنضجتها ووجدت نفسي أميل كل الميل أن أرمز إلى الشرعية بالزواج.
وهكذا كان لا بد لي أن أقرأ الفقه على المذاهب الأربعة، وأركز في قراءتي على عقد الزواج. فوجدت أبا حنيفة وهو الذي نطبق مذهبه في أحوالنا الشخصية يقول: «إن الفتاة إذا لم تعط الوكالة لمن يزوجها يقع الزواج باطلا نسبيا.» والبطلان النسبي يختلف عن البطلان المطلق.
فالبطلان النسبي يمكن أن يزول ويصبح العقد صحيحا إذا زال سبب البطلان، أما البطلان المطلق فلا يصحح أبدا.
ويقول أبو حنيفة في حالة زواج البنت بتوكيل باطل: يزول البطلان إذا عادت البنت وقبلت الزواج، فإنه في هذه الحالة بصبح زواجا صحيحا خاليا من البطلان.
अज्ञात पृष्ठ