ومضى يذكر أهم العناصر التي ضغط عليها في مقاله، ومضيت أنا أقول: «نعم، نعم.» حتى إذا سكت قلت له: «سعادتك تسمح لي بكلمة على انفراد؟»
فلف ذراعي بذراعه ومضينا ننتحي جانبا بشارع الشريفين، وقلت له: «سعادتك تعرف أن وراءك جواسيس؟»
وكنت قد عرفت ذلك فعلا، فإذا الرجل العملاق يقول: «نعم أعرف، وتليفوني مراقب أيضا.»
فقلت له: «سعادتك الآن لا تحتمل السجن الذي احتملته في عام 30، كما أن السجن الآن نوع آخر غير الذي عرفته. ونحن أبناؤك، دعنا نحن نسجن، وقل لنا ما تريد كتابته وأمله علينا إذا شئت نوقعه بأسمائنا، ولكن من أجلنا نحن أبناءك إن لم يكن من أجل نفسك لا تعرض نفسك لهؤلاء الوحوش.»
فنظر إلي مليا وصمت لحظات، ثم قال: «أترى ذلك؟»
قلت: «ألا ترى أنت ذلك؟»
قال: «لا بأس.»
ولا أعتقد أنه كان سينفذ الوعد، ولكن على كل حال أنقذه من نفسه انتهاء فترة الحرية، ومنع كل الكتابات الحرة مهما تكن هينة الشأن وإغلاق جريدة المصري، والاستيلاء عليها وعلى أموال أصحابها. •••
ويلي، لكم استطردت. وأين أنا مما أريد أن أرويه من ذكريات؟ لقد كان الحديث عن مولدي، فإذا أنا أقفز إلى عام 54، ولكنني أمسكت يد عملاق الأدب العربي على مدى التاريخ، فكيف لا تغريني يده أن أقفز كل هذه السنوات، وكيف أذكره، ولا أستطرد، وهو في ذاته أسطورة كاملة خالدة على الزمان. •••
لأعد إذن إلى تلك الأيام التي بدأت فيها أعي الحياة حولي، هناك أشياء كأحلام بعضها واضح المعالم في ذاكرتي، وبعضها تحول بيني وبينه سحابات أشبه ما تكون بأستار رقيقة.
अज्ञात पृष्ठ