إن شهدوا لم يصدقوا، وإن سالموا لم يتركوا، أعزاؤهم عندهم أذلة(1)، وعلماؤهم جهلاء، وحلماؤهم عندهم سخفاء، وعبادهم لديهم سفهاء، قد جعلوا فيهم بينهم دولا، وأولادهم لهم خدما وخولا، يشبعون ويجوعون، ويسعون(2) في رضاهم ومصالحهم، و[هم] يسعون في هلاكهم وسخطهم، فهم لهم خدم لا يشكرون، وأعوان لا يؤجرون، هممهم همم حميرهم، هممهم ما واروه في بطونهم، وباشروه بفروجهم، واستغشوه على ظهورهم، نهارهم دايبون في إخمال الهدى والحق، وليلهم في التلذذ والطرب(3) والفسق، فراعنة جبارون، وأهل خيلاء فاسقون، إن استرحموا لم يرحموا، وإن استنصفوا لم ينصفوا، وإن خوفوا لم يخافوا، وإن قدروا لم يبقوا، وإن حكموا لم يعدلوا، وإن قالوا لم يصدقوا، لا يذكرون المعاد، ولا يزكون العباد، ولا يصلحون البلاد، رافضون معطلون للنكاح، مظهرون معتكفون على السفاح، المنكر(4) بينهم ظاهر، وافعال قوم لوط أفعالهم، وأعمالهم في ذلك أعمالهم، يتخذون الرجال ويأتونهم من دون النساء، ويظهرون الفجور علانية والردى، ويأتون في ناديهم المنكر، ويجاهرون بذلك العلي الأكبر، سفهاؤهم أمراؤهم، وأشرارهم حكامهم، وعظماؤهم أردياؤهم، الغدر شيمتهم، والفسق همتهم، إن عاهدوا نقضوا، وإن أمنوا(5) غدروا، وإن قالوا كذبوا، وإن أقسموا حنثوا، قد قتلوا الأرامل والولدان، وحرموهم ما جعل الله لهم من السهمان، قد قتلوا الكتاب والسنة، وأظهروا المنكر والبدعة، وخالفوا ما بعث الله به النبي(6)، وحكموا بغير حكم(7) الكتاب المنزل، اضداد الحق والمحقين، أولياء الباطل والمبطلين، وحزب الشيطان، وخصماء القرآن، وأعداء الرحمن، في الفسق منغمسون، وعن الحق مجنبون، لم ينالوا ما نالوا من أولياء الله إلا بالغدر، ولم يقدروا عليهم إلا بالختر(1)، وعقد مواثيق الله له في أعناقهم، وبسط أمان الله وأمان رسوله له منهم(2)، فإذا ركن إلى عظيم ما يعطونه، ووثق بجليل أيمانهم؛ قتلوه من بعد ذلك غادرين، ومثلوا به ناكثين، لا فيما أعطوه من عقود الله ومواثيقه له ينظرون، ولا في الأيمان المؤكدة التي له يفكرون، اجتراء على الله العظيم، وعدولا منهم عن الصراط المستقيم، عنودا عن الحق المبين، ومضادة لأحكام أرحم الراحمين، ومخالفة لسنن الرسول الأمين، ومباينة ومجانبة لشرائع الإسلام، وتشبها بفعل أهل الشرك والكفر والطغيان، بل الكفار الطغاة أوفى بالعهود منهم، وأحفظ لعهودهم منهم لعهدهم، وأقل اجتراء منهم في كثير من الأمور على خلافهم، وهم في ذلك يدعون أنهم أئمة المسلمين، وقادة المؤمنين، وخلفاء الواحد الكريم، وولاة الواحد العظيم(3). كلا والذي نفس يحيى بيده، ما ولى الله أولئك في خلقه، ولا قلدهم شيئا من أمره، ولا أجاز لهم أمرا ولا نهيا في شيء من أرضه، وكيف يكون ذلك والله سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه إبراهيم خليله، حين سأله ان يجعل ذريته أئمة كما جعله هو صلى الله عليه إماما؛ فأخبره الله سبحانه أنه لا يجعل الولاية إلا للمتقين، ولا يعقد الإمامة لأحد من الفاسقين، ولا يعقد عقدها للظالمين، وذلك قوله سبحانه: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[البقرة: 124]؟! فمنع من عقده وعهده، ومؤكد إمامته؛ كل ظالم من خلقه. فأي ظلم يرحمك الله أو غشم، أو فسق أو إثم؛ أعظم مما فيه من هو يدعي أنه إمام المسلمين، وأمير المؤمنين؛ من الذين أماتوا الكتاب والسنن، وأحيوا البدع والفتن، وضلوا(1) الحق، وأحيوا الفسق، وجلسوا في غير مجلسهم، وتعاطوا ما ليس لهم، {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}[البقرة: 16] فأين لكم يا أهل(2) الإسلام؟؟ وكيف يرضى من آمن بالرحمن؛ بالظلم والغشم من حزب الشيطان، الذين جاهروا ربهم بالكفر والعصيان، وحادوه في كل شأن؟! {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}[المجادلة: 19 20]، صدق الله في قوله، لقد حكم الله للحق والمحقين؛ بالغلبة للباطل والمبطلين، ولكن أين أين الناهضون لأمره، المتنجزون لوعده، المتعرضون(3) لنصره؟ فإنه يقول سبحانه: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}[الحج: 40] وبلى وعسى، {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}[الإنشراح: 5 6]، عسى الله أن يجعل فيكم يا أهل التوحيد خلفا من الأولين المجاهدين، الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم لله رب العالمين.
पृष्ठ 634