दासाय इला सबील मुमिनिन
الدعاية إلى سبيل المؤمنين لأبي إسحاق اطفيش
शैलियों
لو انتبه المسلمون واتعظوا بتقلبات الدهر ونظروا إلى ما كانت عليه الأمة في عهد استنباط العلوم وما أوتيه أولئك المجتهدون من المقدرة على إبراز كنوز القرآن والأخذ بالعلم الصحيح كما قدمنا لما كان ما نشاهد الآن من المبكيات ، ورب قائل : إن ما حل بالمسلمين من الانحلال أمر طبعي للأمم وسنة الله فيها ، فنقول :نعم ذلك نتيجة الإهمال وترك الواجب : { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم } ( الأنفال / 53) وإليك بعض ما ذكر في كتاب ( الغرائز ) من آثار الجمود في النفوس : إن أدنى أنواع المحاكاة ما حوفظ به على الأصل بدون تصرف ، ولا إتقان على النحو الذي يتبعه صناع الفخار في قنا ، عادة ألفتها الأمم الساذجة ووضعتها موضع الاحترام ، زرت مصنعهم يوما ، ولما رأى بعضهم أن الشك داخلني في مقدرتهم الصناعية عمد إلى طين وسألني أن اقترح شيئا يمنعه ثم انبرى فصنع طستا وإبريقا يجمعان إلى دقة الصنعة رقة الذوق ، ثم أعادهما إلى عجين كما كان ولم يرد أن يدخل ما ورثه من أسلافه شيئا خوفا عليه ، كان بدعة الصناعة الدينية التي لا مسوغ إلى إدخال التعديل عليها .
وإذا وصفنا المحاكاة بأنها من أنواع الحضارة وجب علينا أن نفسر ذلك بضرورة الاطلاع على المحاكي وبحثه وتمحيص أدلته ، لتندفع النفس إلى محاكاته بوازع صادق ، والمحاكاة روح توثق الرابطة بين الفرع وأصله ومن هنا نشأت محبة المحافظة على القديم ، وقد تغلو الأمة في احترام قديمها فتقتصر على ما أوصلته إليها الوراثة ، وتغض الطرف عن التغيير الذي تدعو إليه الحاجة وأطوارها فتكسد بضاعتها وتبور صناعتها ، ويسل عليها الدهر سيف الحرمان وتبطش بها عوامل الفناء .
पृष्ठ 93