وعاد الصمت إلى الزوجين لا يقطعه إلا رشفات الحاج والي للقهوة.
كان الوقت ضحى حين بلغ الحاج والي منزل ابنه، هكذا كان واثقا أنه لن يجد محمدا بالمنزل، وصعد الحاج والي درجات السلم في هدوء بطيء حتى بلغ الشقة التي يسكن فيها محمد، ومد يده يريد أن يدق الجرس ولكنه فوجئ بزجاج الباب المصنفر يكشف له عن منظر أخذ له ...
رأى الحاج والي شبحين يتعانقان أحدهما لرجل وآخر لامرأة شعرها مرسل على كتفيها، وطالت القبلة. والحاج واقف ذاهلا عن نفسه ويده نصف ممتدة إلى الجرس، وعيناه شاخصتان إلى ما يرى، وفمه مفتوح من الدهشة! لماذا لم يذهب محمد إلى المستشفى حتى الآن؟ وانتهت القبلة وفتح الباب، ولم يكن محمد في بيته! كان عزت زكي، ولم يكن الحاج والي يعرفه، ولم يكن هو يعرف الحاج والي! وقالت آمال في لعثمة: أهلا عم الحاج ...
وظل الحاج صامتا، وأدرك عزت الموقف الذي يواجهه فنظر قليلا إلى الحاج، ثم وثب يعدو السلم في سرعة مجنونة.
وقالت آمال: تفضل ...
ودون أن يجيب الحاج والي أخذ سمته إلى درجات السلم، والضباب يغشى طريقه، والذهول يأخذ عليه مسالك تفكيره.
ظل الحاج والي سائرا بجانب بحر مويس يغمض عينيه ويفتحهما وكأنما يريد أن يمحو ما رأى، فتزداد الصورة التصاقا بعينيه وذهنه وكيانه كله. ماذا يفعل؟ أيخبر ابنه؟ إنه إذا فعل فكأنه قتله! فإن الزوج يظل محتفظا برجولته حتى يعرف أن زوجته تعبث بشرفه؛ المعرفة هي الحد الفاصل بين الشرف وعدم الشرف، فكيف يقول لولده وحيده إنه بلا شرف؟! أيقول لأبيها؟ وماذا يستطيع أبوها أن يفعل؟ ووثب إلى ذهنه في هذه اللحظة موافقة أبيها السريعة على زواجها من محمد وهو من كان لأخرى قبلها وله منها ولد!
لا بد أن زين العابدين يعرف عن أخلاق ابنته عوجا. ماذا يفعل؟ أيقول له؟ لا. وجد نفسه يحنو على ابنه أن يعرف أحد حتى ولو كان أبوها أن شرف ابنه مهين مضاع. ماذا يفعل إذن؟ عاد أدراجه إلى بيت ابنه ودق الجرس وفتحت له آمال الباب ودخل إلى حجرة الجلوس ودخلت من خلفه وأغلقت الباب وظل ناظرا إليها فترة طويلة ثم قال: لماذا؟
وصمتت وصمت حينا ثم قال: ماذا أفعل الآن؟ أقول لأبيك؟!
وعاد إلى ذهنها ذلك السجن الذي فرض عليها في القرية، فقالت في سرعة: لا. - إذن ماذا أفعل؟ ماذا يمكن أن أفعل؟ لو قلت لمحمد قتلته!
अज्ञात पृष्ठ