ويدخل محمد إلى الحجرة، وتلتقي عيون افترقت منذ سنوات طويلة؛ عيون كانت طفلة لاهية، وأصبحت اليوم شابة مرنت على النظر والنقد. كان محمد مشوقا إلى هذا اللقاء هو أيضا، كان يريد أن يرى هذه القطعة من طفولته كيف أصبحت حين مسها الشباب.
واستمرت النظرة لحظات، وبدا أن كلا من الاثنين رضي عن صاحبه.
وابتسمت الأم، وصحا محمد فجأة يبدأ الكشف، وحين أتمه التفت إلى الأم في أدب: أتسمحين حضرتك بملعقة لأرى اللوز؟ - حاضر.
وخرجت الأم، وقالت آمال في صوت لا يخلو من السخرية: ما للوز وللمغص يا دكتور؟! - أنا لا أرى بك شيئا. - إذن؟ - لا أدري. لعلك كنت تريدين أن تكشفي أنت علي!
وضحكت وقالت: وأنت؟ ألم تكن تريد ذلك؟ - نريد أن نرى طفولتنا. - وكيف وجدت طفولتك؟ - هي بخير عندك، ولكني لا أظنها بخير عندي ... - لماذا؟ أنت دكتور قد الدنيا ...
وضحك ساخرا وهو يقول: يتهيألك. أتصدقين كلام الفلاحين؟ - لقد عرفت مرضي. - لأنه نفس مرضي.
وتدخل الأم بالملعقة، ويلقي الدكتور نظرة أخيرة على الحنجرة، ولا يلبث أن يقول في لهجة جادة: برد بسيط سأكتب لها دواء. وأمر غدا إن شاء الله.
وتعرف آمال أنها وقعت من نفسه حيث تريد أن تقع، ويخرج محمد. ولا يمر كثير وقت حتى يذهب محمد إلى أبيه: يابا أنا أريد أن أخطب ... - من؟ - آمال بنت زين العابدين بك. - من؟! - ماذا يابا؟ هل في هذا بأس؟! - يا ابني طلعت في العالي؟! - أنا يابا طبيب ولي اسمي، ولي مركزي ... - أخاف أن يرفض. إنك تزوجت مرة ولك ولد، وهم غيرنا يا محمد! - لا تخف.
ويعود الضباب إلى الحاج والي. أكان لا بد لي أن ألاقي الرفض والهزء أيضا؟ ما لنا نحن ولزين العابدين بك!
ولا يسوف الحاج والي كثيرا، بل ينتهز فرصة يخلو فيها إلى زين العابدين بك ويتقدم بمطلبه. ويدهش الحاج والي؛ لقد رحب به الرجل، رحب به ترحيبا أخافه أكثر مما أفرحه. ولا يمضي كثير وقت حتى يتم الزواج، ولكن الضباب لا يبارح الحاج والي كلما فكر في شأن هذا الزواج.
अज्ञात पृष्ठ