خرج زين العابدين من الفندق يريد أن يقصد حي الصاغة؛ فقد كان لا بد له أن يشتري هدية للصديقة الجديدة، ووقف ينتظر عربة أن تمر به، ولكن طال به الوقوف دون أن تمر به عربة، وسئم زين العابدين الانتظار، فراح يمشي آملا أن يلتقي بعربة، ولم يمر بذهنه أنه من العسير أن يجد هذه العربة؛ فقد ترك القاهرة حين تركها قبل الثورة، وقائدو العربات يلحقون على المارة أن يركبوا، وحين نزل في أمسه من القطار لم يجد صعوبة تذكر في الحصول على عربة، وقد ظلت العربة معه حتى عاد إلى الفندق، وسأله السائق إن كان يريده في اليوم التالي، ودهش من السؤال، ولكنه وافق، وظن أن سائق العربة يريد أن يضمن رزق غده، ولم يشأ أن يحطم آماله، فوافق، وظلت معه العربة طوال اليوم التالي حتى عاد إلى الفندق، فهو إذن يجهل كل الجهل ما ألم بالمواصلات حتى في القاهرة، وقد أوقعه هذا الجهل في خطأ يدفع ثمنه الآن، فهو لم يطلب إلى السائق أن يعود في يومه هذا ، فما كان يتصور أنه لن يجد عربة في أية لحظة يشاء. ومرت به عربة كارو، وتولته الدهشة، ولكن لم تكد تمر من أمامه حتى ظهرت عربة أخرى كارو أيضا، ولم تكن مزدحمة، فإذا سائقها يقف بجانبه ويقول: تفضل يا بك. - ماذا؟!
وأوشك أن يغضب، ولكنه نظر فوجد الراكبين لا يقلون عنه وجاهة.
وقال أحدهم وهو أفندي أنيق: تفضل يا بك. يظهر أنك حديث القدوم من الريف.
وقال زين العابدين، وهو لا يزال في دهشته: نعم. - هذه هي وسيلة المواصلات الرسمية الآن؛ فسائقو الحنطور مضربون.
وقال السائق: أتحب أن تجلس في الدرجة الأولى؟ - ماذا؟! وهل عندك درجة أولى؟! - نعم، هنا في المقدمة. تجلس على وسادة، وستجد الجلسة مريحة ونظيفة. - وكم الأجر؟ - قرشان. إلى أين أنت ذاهب؟ - إلى الصاغة. - تفضل.
ودفع زين العابدين القرشين، وركب واستأنف الحديث: ولكني ركبت بالأمس عربة حنطور.
وقال السائق: لا بد أنك ركبتها من المحطة. - نعم. والترام؟ - أضرب عماله أيضا.
وقال أحد الراكبين من الوجهاء: لقد وجدنا «الكارو» أمتع.
وقال السائق: إنها ركبة سلطاني!
وقال زين العابدين: ولكن لماذا الاستمرار في الإضراب، وقد سمح للوفد بالمفاوضة وتألفت وزارة رشدي، وأوشكت الأمور أن تستقر؟
अज्ञात पृष्ठ