العِيِّ، مُقَوَّمًا من أَوَدِ الخَطَأ واللَّحنِ، سَالمًا من جَوْر التَّأليف، مَوْزونًا بِميزَانِ الصَّواب لفظا ومَعْنَىً وتَرْكيبًا اتَّسَعَتْ طُرُقه، ولَطُفَتْ مَوَالجهُ فَقَبِلَهُ الفَهْمُ، وارتَاحَ لَهُ، وأَنِسَ بِهِ.
وَإِذا وَرَدَ عَلَيْهِ على ضدِّ هَذِه الصِّفَة وكانَ باطِلًا مُحَالًا مَجْهولًا انسَدَّتْ طُرقُه، ونَفَاهُ واسْتَوْحَشَ عِنْد حِسِّه بِهِ، وصَدَئ لَهُ،
وتَأَذَّى بِهِ كَتَأذِّي سَائِر الحَواسِّ بِمَا يخالِفُها على مَا شرحناه.
وعلَّهُ كُلَّ حَسَنٍ مَقْبولٍ الاعْتِدالُ، كَمَا أنَّ عِلَّةَ كلِّ قبيحٍ مَنْفِيِّ الاضْطِرابُ.
والنَّفْسُ تَسْكُنُ إِلَى كلِّ مَا وافقَ هَواهَا وتَقْلَق مِمَّا يُخَالِفُهُ، وَلها أَحْوَالٌ تتَصرَّفُ بِها، فَإِذا وَرَدَ عَلَيْهَا فِي حَالةٍ من حَالاتِها مَا يوافقُها اهتَزَّتْ لَهُ وَحَدثَتْ لَهَا أَرْيَحِيَّةٌ وطَرَبٌ، وَإِذا وَرَدَ عَلَيْهَا مَا يُخَالِفُها قَلِقَتْ، واستَوْحَشَتْ.
وللشِّعر المَوْزون إِيقاعٌ يَطْربُ الفَهْمُ لصَوابِه وَمَا يَردُ عَلَيْهِ من حُسْنِ تَركيبهِ واعتدالِ أَجزائهِ، فَإِذا اجتَمَع للفَهْمِ مَعَ صِحَّةِ وَزْن الشِّعر صِحَّةُ وَزْنِ المَعْنَى وعُذوبةُ اللَّفظ فَصَفَا مَسْموعُهُ ومعقُولُهُ من الكَدَرِ تَمَّ قبولُهُ لَهُ، واشتمالُهُ عَلَيْهِ، وإنْ نَقَصَ جزءٌ من أجزائِهِ الَّتِي يكمُلُ بهَا - وَهِي اعتدالُ الوَزْنِ، وصوابُ المَعْنى، وحُسْنُ الألْفَاظ - كَانَ إِنْكَار الفَهْم إيَّاهُ على قدْر نُقْصان أَجزائِه.
ومثالُ ذَلِك الغِنَاءُ المُطْربُ الَّذِي يتضاعَفُ لَهُ طَربُ مُسْتَمِعِه
1 / 21