فابتسم عزت وامتنع عن الاشتراك في الحديث، فقال حمدون: الدموع تنجح كالضحك، وقد قرأت حضرتها مناظر من يوليوس قيصر فأبدعت.
نسي الحارة تماما بادئ الأمر كأنها ذكرى أسطورية، ثم جاءت سيدة لتجلس لصق بدرية ولتدعو إلى مقارنة قاسية؛ نشأة واحدة في الحارة والكتاب، هذه تتألق بالذكاء والجمال والاقتحام، والأخرى تتوارى وراء مسكنة ماكرة ببشرتها الداكنة وأنفها المتكور واستسلامها المنيع، لكن ماذا صنع حمدون من بدرية وماذا صنع هو من سيدة؟ وقال أيضا إن سيدة أنجبت سمير، أما هذه الحسناء فلم تنجب شيئا، ولو قدر لها أن تتزوج منه لتغيرت المصائر إلى أفضل أو أسوأ.
خير ما يفعله ألا يفكر إلا في مركزه الجديد كمدير على هذين النجمين، وهو به سعيد جدا، وفي غمرة حماس تتزايد قال: لعلنا نستطيع أن نستأجر مسرحا كبيرا في المستقبل.
ففرج حمدون بين ساقيه واضطجع إلى مسند الكنبة ليطلق لأحلامه العنان، أما بدرية فقالت: المهم أن ننجح أولا.
فتمتم عزت: لو أنها تهبني ما تبعثره على الناس، لو أنني أبيع عمارة واحدة!
فاستوى حمدون في جلسته وقال محتجا: إني أعترض على الأحلام غير البريئة!
فقال عزت دون مناسبة ظاهرة: أود أن يكون لي مسكن خاص بعيدا عن الحارة. •••
قبيل العصر بقليل دق جرس الشقة، فقام حمدون وهو يقول: جاء الأستاذ يوسف راضي وبدأ العمل.
13
تمخض الشتاء وأوائل الربيع عن إعداد واستعداد وإنفاق مال، كما تمخض عن صداقة حميمة بين عزت وحمدون وبدرية ... ويعد الراوي تلك الفترة من أسعد الفترات في حياة عزت عبد الباقي، وكان يمضي شطرا كبيرا منها في شقة حمدون، وهناك تحررت العقود مع مالك المسرح والممثلين والممثلات والفنيين والعمال، وقد جدد أجزاء من مبنى المسرح وزوده بكراسي جديدة، وركب له مدخلا جديدا، فصار تحفة روض الفرج كما قال عم فرج يا مسهل، عامل النظافة والمنادي الذي يرجع أصله إلى الحارة. وفي أبريل نقلوا مكان العمل إلى المسرح نفسه، وقد أعجبته حجرة المدير بمكتبها الكبير والخزانة والمقاعد الجلدية الوثيرة، ومارس عزت عمله كمدير وصاحب للمسرح. لم تكن السيادة بالحال الغريبة عنه، ولكنها لم تمتد من قبل إلى آخرين بهذه النوعية، وتبدت الممثلات لعينيه في صورة مبتذلة جدا، أقرب إلى دنيا الدعارة منها إلى دنيا الفن، وخيل إليه أنهن يتسابقن في عرض أنفسهن عليه، فمضى في إعداد شقة خاصة في بيت متوسط الحجم بحدائق شبرا، نوى أن يدعو إليه أسرته الخاصة بعد أن يستغله لنفسه قبل ذلك. ولاحظ حمدون تطلعاته الجنسية، فقال له: استمع إلى الصديق، جميعهن رخيصات كما ترى، الممثلات الحقيقيات لا يفرطن في مسارحهن من أجل مسرح كمسرحنا، وأي علاقة مع امرأة من هؤلاء ستضع من مكانتك كمدير، افعل ما تشاء بعيدا عن هنا.
अज्ञात पृष्ठ