وسأله عزت: ألا زال السيرك يعمل بالدرب الأحمر؟ - كلا ... ولكن حمدون وعد بزيارتنا هنا. - مستحيل. - سترون بأنفسكم بعد قليل. - حقيقة إنه لقارح.
واضطرب عزت، أيرى حقا حمدون بعد قليل؟ ماذا يهم؟ لقد اندثر الماضي ومات الحب كما ماتت الصداقة، ولكن وثوب الماضي على الحاضر فجأة لا يمر دون قلقلة. وتخيل للقاء صورا عديدة، ولكن ما حدث فعلا كان مختلفا عما تخيل؛ فما إن رآه ينظر إليه من تحت حاجبيه البارزين بابتسامة مشرقة فاتحا ذراعيه حتى لبى دعوته فتعانقا بحرارة، وهمس حمدون في أذنه: ما جئت إلا من أجلك عندما عرفت أنك من أركان الجلسة.
وسرعان ما شارك في التدخين بتلقائية وبلا حرج. لم يجد أحد الشجاعة للحملة عليه غير أن رمضان قال: ما تصورت أن أجدك في سيرك.
فقال ضاحكا: عملنا مقصور على المسرحية، وهي من تأليفي. - ولكن كنت موظفا. - وما زلت، المسرح هواية ليس إلا. - ولكن ...
ولم يكمل رمضان، فضحك حمدون وقال: ولكن زوجتي، أليس كذلك؟ ... إنها فنانة مثلي، لا جدوى من محاولة إقناع حارتنا بذلك، ولكننا أسرة شريفة كسائر الأسر الشريفة!
لم تتكلم إلا قرقرة الجوزة ... ثم التفت نحو عزت وقال: يسعدني أن أشارك في الاحتفال بدخول ابنك الكتاب. - وأنت كم ولدا لك؟ - أنجبت واحدا لم يعمر أكثر من عام، ولا شيء بعد ذلك والحمد لله.
فسأله رمضان: ألا تود أن تعقب ذرية؟ - إنها معطلة لنشاطنا الفني!
وقرقرت الجوزة وحدها مرة أخرى. •••
غادرا الغرزة معا. دعاه إلى داره وهي تغط في النوم. جلسا في الحديقة رغم ميل الخريف إلى البرودة في وقت الفجر. تبادلا عواطف صادقة دون أن يشير أحدهما إلى الماضي بكلمة. شعر عزت بانتعاش روحي جديد. قبض على الصداقة صافية بعد أن تلاشت الذكريات الأليمة. عادا كما كانا بلا حب خائب يفرق بينهما. إنها لمعجزة تروى. وراح حمدون يحدثه عن تجربته: ما زلت موظفا، ولكن كفاحي في سبيل الفن لم يضعف لحظة، واكتشفت أيضا موهبة بدرية، ولكن كيف نشق طريقنا في الصخر؟ لقد رفضتني المسارح كمؤلف كما رفضت زوجتي كممثلة. لم أيئس، عرفت صاحب سيرك اللاوندي، اقترحت عليه أن نعرض مسرحية من فصل واحد بدلا من التهريج الممجوج، لم نطالب بأجر فقبل التجربة، وقد نجحنا وانبسط الجمهور أضعافا مضاعفة.
فقال عزت: ولكنه سيرك! - أجل، خير من لا شيء حتى تلين إرادة المستقبل.
अज्ञात पृष्ठ