واستطردت عين: قد نخطئ ولكن لا يجوز أن نظلم، علينا أن نصلح خطأنا، وكلما جاء الإصلاح على غير هوانا اقتربنا أكثر من عفو ربنا.
ورفعت رأسها كأنما ترنو إلى القنديل، وقالت بحزم: ستتزوج من سيدة في أقرب فرصة.
ثم نهضت وهي تقول: إنه قرار لا يقبل المناقشة، وما يشهد لك بالطيبة أن ترحب به. •••
وتلاحقت الأحداث كأنما تقع لشخص آخر ... وذاع الخبر في الحارة فأحدث دهشة عامة، كما صعق بيوت العرائس المرشحات لجمالهن وأصلهن لمثل هذا العريس الفريد. وكيف ترفض الست عين بدرية المناويشي لتقبل سيدة بنت أم سيدة الخاطبة؟! أيرجع السر إلى مهارة أم سيدة؟ أيجد تفسيره في شذوذ طرأ على ذوق عزت؟ وكالعادة تمطى التأويل السيئ لينفث ظنونه فأصاب الحقيقة هذه المرة بمحض الصدفة. هكذا تزوج عزت وهو في الثامنة عشرة من عمره زواجا مناقضا لذوقه وميوله، وهكذا انتقلت سيدة إلى أجمل دار في الحارة لتحتل أرفع مكان فيها. هكذا صارت أم سيدة حماة الوجيه الأول. وثارت أمونة ثورة حاقدة؛ فقطعت علاقتها بشقيقتها إلى الأبد. واستسلم عزت للواقع، كما يستسلم إلى قدر لا مفر منه، أجل لم يعتده قضاء نهائيا، ولكن حلا ضروريا مؤقتا حتى يتخلص منه في الوقت المناسب. وتضاعفت أشجانه على حبه الضائع، فاعتبر المحنة كلها جزاء عادلا يستحقه لضعفه وتردده. ومن أول لحظة أدركت سيدة أنها لا تحظى بحب زوجها ولا حتى برضاه، وأنها تتجرع حياة باردة، حيوانية مجردة، لا عطف فيها ولا احترام. وبدافع من غريزة الدفاع عن النفس انطوت تحت جناح عين، فوهبتها من قلب محروم جريح كامل الولاء والوفاء، وأوصتها أمها بالصبر والتزام الأدب. قالت لها: لك رب؛ فليكن اعتمادك عليه وحده.
فقالت لها الفتاة: أفضل أن أرجع إلى بيتي.
فقالت المرأة بإصرار: لا تفرطي في النعمة، واعلمي أن الرجال لا يثبتون على حال، وما الحياة الزوجية إلا معركة.
وفي ذلك الجو الشحيح بأي عذوبة حملت سيدة، ثم أنجبت «سمير». أصبحت أما، أصبح عزت أبا، أصبحت عين جدة، فحتى في أسوأ الظروف استطاعت أن تغير أبعاد كونها الصغير، وأن تفجر فيه من ينابيع العواطف الجديدة ما لا عهد له به. تحرك قلب عزت. جاءه حب جديد ليزاحم حبه القديم الذي اعتاد ألمه حتى ألفه. أما عين فجنت بالوليد وعشقته، وطمح قلب سيدة الكسير إلى حياة أفضل.
وخاب عزت في دراسته القانونية، لا الهمة وجد ولا الحماس، فانقطع عن المدرسة بعد عامين من التحاقه بها. وضاق بحياة بلا حب ولا صداقة، فعزم على التوظف. أراد أن يظفر بقدر من الاستقلال، وأن يملأ فراغه، وأن يجرب الحياة الرسمية التي تفتن الكثيرين.
والتحق بوظيفة بوزارة المعارف. وسرعان ما نشب التنافر بينه وبين الوظيفة ومناخها العدواني. ونصحته أمه بأن يدعو موظفي إدارته إلى وليمة في الدار تعزيزا لمركزه ودفعا لمكر الماكرين. ومضى عليه شهر في العمل. ولدى عودته سألته أمه: ألم تحدد يوما للوليمة؟
فأجابها بهدوء: قامت معركة بيني وبين رئيسي.
अज्ञात पृष्ठ