وهو واثق من نفسه وأفكاره قد ازداد بها وثوقا حين اختار المذهب الشيوعي مذهبا وانسلك في قالبه، وواجه كل ما واجهه أصحاب المذهب من عقاب، كما نال كل ما ناله هؤلاء من ثواب.
والوظيفة التي يرتع فيها الآن ما هي إلا نهلة من فيض البحر الذي انسكب على أبناء مذهبه؛ فما كانت الشركة البولندية لتعينه لو لم يكن شيوعيا غارقا في الشيوعية، وهب لها نفسه وإلحاده، ويقدم إليها أيضا فقره لترده عليه غنى ووفرة ورفاهية ورخاء.
وقد استطاعت الشيوعية أن توفر له ما لم تسطع الرأسمالية أن توفره لأحد من أمثاله؛ فسيارته كاديلاك من آخر طراز. نعم السيارة رأسمالية ولكن ما دام الشيوعي قد استخدمها فإن سيارته هذه الكاديلاك بالذات تصبح شيوعية.
ومنزله من أفخم منازل الزمالك، وأثاث بيته غالي الثمن غلاء فاحشا. ولا يهم من بعد إن كان يتسم بالذوق السليم أو لا يتسم، ما يهمه أن يكون غالي الثمن .
أما ملابسه فهي في الحق مضحكة؛ فإنه فيما يبدو مصاب بعمى الألوان، فتراها تختلط على جسمه كقصة غير معقولة، أو كموسيقى صاخبة يعزفها قوم لا قائد لهم ولا نوتة تجمع بينهم. ولكن كل وحدة من وحدات ملابسه ثمينة في ذاتها. واضح أنه بذل المال الكثير فيما يركب أو يسكن أو يلبس.
وكان يتيه دائما بين الناس بأنه لا يمد يده لأي دولة شيوعية، وأنه شيوعي بالمبدأ لا بالجيب. وهو بطبيعة الحال يرى وظيفته هذه التي يشغلها والتي تسكب عليه المال حقا طبيعيا له لا صلة لها بالشيوعية.
هو يرى ذلك أمام الناس حين يخاطبهم، ولكنه في دخيلة نفسه يعرف تماما أنه لو لم يكن شيوعيا لما زاد دخله عن دخل زملائه الذين تخرجوا معه، والذين يعجز مرتبهم أن يطاول عشر مرتبه.
هو واثق كل الوثوق أن ذلك الخير الذي يمرح فيه سببه الوحيد الذي لا سبب غيره أنه شيوعي، ويعلم أن الكلية التي تخرج فيها قد منحت الحياة الآلاف من أمثاله، أغلبهم أكثر منه علما ودربة على العمل وإتقانا له.
ولكن الشيوعيين وحدهم من هؤلاء الآلاف هم الذين يستطيعون أن ينالوا ما تهبه له الحياة من حظوة. وأصحاب الجرأة فيهم هم الذين يستطيعون أن يواجهوا الناس أنهم لا يمدون يدهم لأي بلد أجنبي. وهو من أصحاب الجرأة هؤلاء.
حين نزل إلى جدة قصد فندق الرياض؛ حيث كانت شركته قد حجزت له حجرة فاخرة ذات غرفة ملحقة وتلفزيون. وبعد أن أودع الحجرة حقيبته ونظر إلى المرآة واطمأن على القصة غير المعقولة التي يضعها على نفسه نزل إلى بهو الفندق ينتظر أصحاب العمل الذي جاء من أجله.
अज्ञात पृष्ठ