266

कराइस बयान

عرائس البيان في حقائق القرآن

शैलियों

وأسكرهم بجمال وجهه ، وحثهم إلى مسامرته وذوق فهم طعم لطف مناجاته ، فإذا سكنوا من سطوات مشاهدة جلاله ، وأفاقوا من سكر جماله لحظة احتالوا لزيادة محبته في أخذهم طريق بذل المهجة لمحبته ، ورجعوا إلى سنن المجاهدات وحقائق العبادات ، أمر بعضهم بعضا ببذل الأرواح والأشباح ؛ لشوقهم إلى عالم الأفراح ، وأمروا بالمعروف بحكمهم على النفوس الأمارة بإذابتها في المجاهدة بنيران الرياضة ، ويراعي بعضهم بعضا بحسن النصيحة وآداب الطريقة ، ويسألون الله صلاح هذه الأمة من كمال شفقتهم على عباد الله وبلاد الله ، وهم المستثنون من قوله تعالى : ( إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )، وبين أن ذلك لزيادة رغبتهم في مشاهدة الله ، وشوقهم إلى جماله ، وهو تعالى وعدهم بتضعيف زيادة كراماته ودرجاتهم بقوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ).

قيل في تفسيره : ( لا خير ) في الاجتماعات إلا ما يعود نفعه عليك أو على أهل مجلسك.

وقيل : ( إلا من أمر ) تصدق بنفسه بمنعه عن أذى المسلمين ، وارتكاب المحارم.

( أو معروف ) قيل : المعروف حث النفس على سبيل الرشاد.

( لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122))

قوله تعالى : ( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا )، لما التصق رغام الإياس في أنف إبليس من إغواء الأولياء والمخلصين حيث يئس في سماع خطاب الحق جل سلطانه في وصف إحسانه من جميع العباد بقوله : ( ليس لك عليهم سلطان ) [الحجر : 42] ، رأى بعد ذلك في حواشي ساحات قلوبهم مجاري ضيقة تجري فيها للنفس الأمارة وهواجسها ، قال : لما يئست من انقطاع المريدين عنه ( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا )، يعني : ألتقط قطيعات من هواهم ونفوسهم نصيب وسواسي أوسوسهم من وراء القاف ؛ لأني لو دنوت منهم بالمباشرة

पृष्ठ 276