इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
في طريقة الاستقبال والتوديع، ما زال العربي الوافد، الطرف الثاني للحوار، هو الغريب القادم. على وجهه ينعكس العنف والإرهاب والهجرة والبحث عن العمل والرزق والكسب.
وجوده خطر، وحضوره يقضي على الهوية الأوروبية وتماثل أوروبة مع نفسها. حضر كي يتم الحوار، ولكنه حضور مهمش، زائد، لإكمال الشكل، واستيفاء العدد. لا يسمع الأوروبي ولا يريد أن يعرف أو يعي أن العالم يتغير، وأن ميزان القوى يتبدل. لم يعد لديه شيء يقوله. نسي تاريخه، وفقد ذاكرته. يقرأ من ورق، ولا ينظر إلى الآخرين لأنه لا يرى إلا نفسه، ولا يتحدث إلا إلى ذاته. لم تعد له قضية إلا الاستمرار في الصدارة بخلق أساطير جديدة مثل ما بعد الحداثة، والعولمة، وثورة الاتصالات، والعالم قرية واحدة، وصدام الحضارات، ونهاية التاريخ. ومهما حاول الطرف الآخر التوضيح والكشف عن البديل، وفتح آفاق جديدة للتفكير، فإن الرسالة لا تصل. وإن وصلت اندهش الأوروبي من هذا الذي يعيد للأوروبي ذاكرته وهو في بداية عصوره الحديثة، النهضة والتنوير، وكأنه يسمع جديدا، ويعجب بهذا الصوت الحالم البعيد الذي ما زال في بداية الطريق، وما زال أمامه شوط بعيد كي يقطعه. ولا يمثل خطرا مباشرا عليه إلا في الخيال ومعارك الصور الذهنية والبدائل الحضارية.
إن معركة التحرر لم تنته بعد؛ فليس الاستعمار فقط هو الاحتلال العسكري والاستغلال الاقتصادي والتبعية السياسية، بل أيضا الهيمنة الثقافية والسيادة الحضارية؛ فإذا كان المغلوب ما زال مولعا بتقليد الغالب كما لاحظ ابن خلدون، وكما هو مشاهد أحيانا في المغرب العربي، فإن الغالب أيضا لم يتخل عن تصوره للمغلوب؛ أنه كان سيدا عليه في الماضي بالاحتلال العسكري، وما زال سيدا عليه في الحاضر في التنمية والمساعدة الخارجية، وسيظل سيدا عليه في المستقبل نظرا لأبدية العلاقة النفسية والذهنية بين السيد والعبد.
لم تتغير صورة الغالب عن نفسه حتى بعد مرحلة التحرر الوطني واستقلال الشعوب، وصورة المغلوب الذي أصبح غالبا في ذهنه لم تتغير. استبدل بالسيد الغربي السيد الوطني، وبالنهب الخارجي الفساد المحلي، وبالسيادة بالقوة الجبرية السيادة الاختيارية بطلب الحماية، وإقامة القواعد الأجنبية، والمشاركة في التمرينات العسكرية.
ومهما حاول الجنوب التحرر من جديد من هذا الأسر التاريخي، ومهما حاول العربي إثبات وجوده كطرف محاور، إلا أنه سيظل يتحرك في المكان. لقد أخذت أوروبة في بداية عصر نهضتها العلم والحضارة منه وأنكرته، بل وأعطته الهيمنة والاستعمار بكل أشكاله القديمة والجديدة، جزاء سنمار.
ومهما حاول العربي أن يسمع صوته ويبين رؤية الجنوب إلى الشمال في مقابل رؤية الشمال للجنوب، فإن الشمال لا يسمع؛ لأنه لم يتعود على أن يكون موضوعا للرؤية. أوروبة هي التي ترى وتلاحظ وتحلل، وغيرها هو الموضوع. هو الذي أنشأ المتاحف ووضع حضارات الآخر فيه. هو الذي أنشأ الدراسات الصينية والهندية والفارسية والبابلية والآشورية والمصرية القديمة والعربية والإسلامية، أما هو فليس موضوعا للدراسة. لا يوجد متحف لأوروبة؛ فأوروبة ذات وليست موضوعا. ما زالت حية، وباقية إلى الأبد، لا تموت حتى تصبح موضوعا للمتاحف والأثريات.
تحتاج أوروبة إلى يقظة جديدة بدلا من العدم التي وضعت نفسها فيه، والثبات على المركزية، ونسيان ذاكرتها التاريخية. تحتاج إلى وعي بمكوناتها الخارجية من العرب والمسلمين والشرق القديم الذي صب في اليونان. تحتاج إلى العودة إلى نهضتها الأولى وتنويرها وهي في ذروتها، مع التخلي عن ازدواجية المعايير. التنوير والعقلانية والعلم والتقدم والحرية والديمقراطية داخلها، ونقيضها من جهل وخرافة وأسطورة وتخلف وقهر وتسلط خارجها؛ فأوروبة التي بلغت ذروة التقدم في القرن التاسع عشر في داخلها، بلغت ذروة استعمار غيرها خارجها منذ قضاء إنكلترة على إمبراطورية المغول في الهند، واحتلال فرنسة الجزائر، واحتلال إنكلترة وفرنسة باقي الوطن العربي والعالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين، مع احتلال إسبانية والبرتغال أراضي الأندلس القديمة، وهولندا وبلجيكا وإيطاليا العالم القديم في أفريقية وآسيا.
تحتاج أوروبة إلى استرداد وعيها التاريخي، وليس اعتبار التاريخ مجرد ذاكرة فردية في الرواية، بل هي ذاكرة جماعية في الوعي التاريخي الحضاري كي تعيد تحمل مسئوليتها في فترة ثانية من مسارها تتجاوز به العدمية الحالية؛ ما بعد الحداثة، والتفكيك، والكتابة في درجة الصفر، وموت المؤلف.
إن مسار التاريخ يتغير بين المركز والأطراف، وميزان القوى يتبدل بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب. الآن تنهض آسيا ممثلة في اليابان وكوريا وماليزيا وإيران وتركية، وتنهض أمريكة اللاتينية ممثلة في فنزويلا والبرازيل وشيلي. والعدوى قادمة إلى الوطن العربي بداية بتخلي الحكم العسكري في موريتانيا عن سلطته إلى انتخابات حرة من الشعب لاختيار ممثليه. تعود حركات التحرر الوطني من جديد في مرحلة ثانية لاستعادة سلطة الدولة الوطنية المستقلة اعتمادا على حركة الشعوب، وتكوين نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، والتحرر من النظام الأحادي القطب. ما زال التحول في البداية
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا (الإسراء: 51).
अज्ञात पृष्ठ