इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
إن أمريكة الأسطورة التي بنتها نفسها كما فعلت إسرائيل غير أمريكة الواقع والحقيقة . أمريكة القوية ينخر فيها الضعف؛ ضعف المبادئ والسياق اللاأخلاقي الذي يتم فيه استعمال القوة. أمريكة بوتقة الانصهار تمارس أبشع أنواع التمييز العنصري طبقا للون بين السود والملونين والبيض، وتقتل أنصار الحقوق المدنية والمساواة بين الأعراق مثل مارتن لوثر كينج، ويمارس أنصار كلوكس كلان أبشع أنواع الاضطهاد العنصري باسم الدين وحماية له. تدافع عن الحرية وتقضي على الحريات العامة كما حدث في عصر مكارثي. تؤسس الديمقراطية وتتجسس على أحزاب المعارضة كما هو الحال في حادثة «ووترجيت» الشهيرة. تدافع عن قيم العالم الحر وتغزو أفغانستان والعراق. تهدد إيران وسورية وتعبث بمصالح لبنان والسودان. تحكمها المصالح ورجال الأعمال والشركات الكبرى، والمجمع الصناعي العسكري، والهوس الإمبراطوري، وجماعات الضغط، والمنظمات الصهيونية.
فما لأوروبة وهذا كله؟ ألا تستطيع أوروبة أن تفك الارتباط مع هذه القوة الغاشمة الجديدة، وتعود إلى أصولها التاريخية والثقافية، وتسترد موقفها السياسي باعتبارها ميزان الثقل في العالم، وسطا بين الشرق والغرب مثل الوطن العربي، لا يميل شرقا أو غربا؟ عندئذ يعود لعالم اتزانه، وللعقل حركته، وللحقيقة نبضها.
هل تستطيع أوروبة أن تحاور غيرها؟
3
في زيارة على مدى عشرة أيام لبعض المعاهد الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط والجامعات المنتمية لأكبر المؤسسات الدينية لتعزيز الحوار بين الضفة الشمالية للمتوسط والضفة الجنوبية، وبناء على التجارب الحية، وليس تحليل الوثائق والبيانات والإحصائيات والمصادر والمراجع، يمكن القول بأن نفس المشكلة ما زالت باقية لم تتغير، مشكلة الحوار العربي الأوروبي، أو بين الشمال والجنوب، أو بين الإسلام والغرب كما جرت العادة في التسمية الجديدة. ويقصد بالإسلام المسلمون، وبالغرب الدول الغربية على اختلاف نظمها السياسية ومواقفها من الهجرة من المغرب العربي، خاصة المغرب الأقصى.
ليست القضية هي الخلاف حول جدول الأعمال؛ الاقتصاد في الجانب الغربي، فتح الأسواق وتنظيم العمالة المهاجرة، وإسقاط الحواجز الجمركية طبقا لقوانين السوق والمنافسة الحرة كما تفرض ذلك الآن العولمة. والسياسة في الجانب العربي، وفي مقدمتها فلسطين، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967م، بما في ذلك القدس.
وليست القضية تعارض المصالح بين الشمال والجنوب، الشمال يريد السيطرة كشرط للتنمية، والجنوب يريد التنمية دون شروط مع المحافظة على الاستقلال.
ليست القضية الحوار على الأمد القصير والمصالح العاجلة كما يريد الغرب، أو الحوار الاستراتيجي على الأمد الطويل في شراكة تقوم على الجوار والتعاون الإقليمي كما يريد العرب، وليست القضية هي الخلاف الثقافي والحضاري في رؤية العالم والإدراك المتبادل بين الطرفين القائم على صراع تاريخي ما زال يؤثر في اللاشعور منذ الحرب الصليبية حتى الاستعمار الحديث، بل القضية هي اعتراف أوروبة بالآخر، والتسليم بوجود طرف محاور متكافئ؛ فأوروبة لا تعترف إلا بنفسها، ولا تحاور إلا ذاتها. هي الطرف والطرف الآخر في نرجسية حضارية تاريخية شديدة. الآخر هو مجالها الحيوي، والمحقق لحاجاتها، وامتداد لنشاطها. أوروبة هي الأنا والآخر، الذات والغير، الشمال والجنوب، الموافق والمعارض، المماثل والمختلف.
ويقبع ذلك في اللاوعي الأوروبي المتراكم عبر التاريخ منذ أن أصبحت أوروبة مركزا للعالم بعد سقوط غرناطة في 1454م، والذهاب إلى ما وراء الأطلنطي إلى نصف الكرة الغربي، وإلى جزر الهند الشرقية عبر جنوب أفريقية إلى نصف الكرة الشرقي. وامتدت جنوبا إلى أفريقية بدعوى اكتشافها. أصبحت أوروبة مركزا جغرافيا للعالم، وتراكما حضاريا في التاريخ، وإبداعا علميا بعد ترجمة العلوم العربية والإسلامية قبيل عصر النهضة. واستند ذلك كله إلى عنصرية بيضاء تقوم على التفرقة بين البشر طبقا للون البشرة، الأبيض والأسود والأسمر والأصفر. وصاغت النظريات العنصرية في طبيعة الأجناس البشرية وخصائصها النفسية والثقافية في علم نفس الشعوب، والتي بلغت أوجها في القرن التاسع عشر؛ ذروة الاستعمار الأوروبي.
فالجنس الأبيض الآري هو الذي له حق السيادة على باقي الأجناس السامية الأخرى. ولا يختلف الاختيار العرقي والتفوق في الأجناس عن الاختيار الإلهي الذي غذته اليهودية في صياغتها الصهيونية بعقائد شعب الله المختار، وأرض الميعاد، والمدينة المقدسة، والمعبد والهيكل. وما زال هذا الدافع وراء الغزو المستمر لأوروبة لغيرها، والانتشار خارج حدودها؛ فالعالم كله مجالها الحيوي، وإسرائيل مركزها. والعالم الجديد، أمريكة، خير وريث لها، بلا تاريخ ولا جغرافية. ووقع التنافس بين العالم القديم والعالم الجديد، كل منهما لا يعترف بالآخر في اللاوعي الشعوري، بالرغم من التعاون الخارجي والأحلاف والحروب المشتركة. أوروبة هي التاريخ، والولايات المتحدة هي الجغرافية في نظر الأوروبيين. وأمريكة هي القوة والمركز الجديد لإمبراطورية ممتدة إلى كل أرجاء المعمورة بما في ذلك أوروبة القديمة. أمريكة هي الفتى الشاب الذي يرث أوروبة العجوز، وإسرائيل في قلب الاثنين، والقرابة المشتركة بينهما.
अज्ञात पृष्ठ