فأجابه عمرو، وهو يشفق أن يظن النبي بإسلامه الظنون: «يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، بل أسلمت رغبة في الإسلام.» فهون عليه النبي ما خامره من الظن ودفع عنه وهمه وهو يقول: «يا عمرو ... نعما المال الصالح للمرء الصالح.»
ثم عهد إليه في ولاية الصدقة بعمان، فبقيت له إلى أن تولى أبو بكر الخلافة فرغبه فيما هو خير منها.
وظل الرجل يسائل نفسه عن حفاوة النبي به إلى آخر حياته، فروى الحسن البصري أن بعضهم قال له - أي عمرو - أرأيت رجلا مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وهو يحبه أليس رجلا صالحا؟ قال: بلى، فقال محدثه: قد مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وهو يحبك، وقد استعملك، قال: «بلى ... فوالله ما أدري أحبا كان لي منه أو استعانة بي.» •••
ومن خصائص هذا الطموح الذي لزمه من صباه إلى ختام حياته أنه كان كما رأينا طموحا قائما على مطالب الواقع في بواعثه ومراميه، فكانت نظرته إلى الدنيا نظرة معروفة الموارد والمصادر، ولم تكن تلك النظرية الخيالية التي يتسم بها أصحاب الحماسة والأحلام من ذوي الطموح.
ومناط الرجحان في تلك النظرة العملية إنما هو للأخذ بالأحوط والأنفع في كل أمر من الأمور ما كبر وما صغر، حتى ليكاد الأحوط والأنفع أن يكون عنده مقياسا للحق أو لصحة الأشياء على نحو يشبه مقياس القائلين بفلسفة الذرائع
في عصرنا الحديث.
अज्ञात पृष्ठ