بعد أن هدأ ذعرها، بدأت تدرك أن جميع من بالقطار يضحك منها على ما يبدو. الحارس لم يخف ابتسامته الساخرة وهو يلوي شاربه القصير المنتصب. رأت لمحات من أسنان بيضاء وسمعت ضحكات ساخرة مكتومة. من الواضح أن الركاب يرون أن مسا من جنون قد أصابها، وأنهم مستمتعون بعرض مسل.
سخريتهم تلك جعلت آيريس تدرك الموقف. تنبهت لذاتها وشعرت بالخجل كأنها في حلم تسير فيه عارية.
سألت نفسها: «يا للهول! ماذا فعلت؟ الممرضة لم تفعل سوى أنها قدمت إلي مسكنا أو ما شابه، وأنا أحرقت رسغها. إن كانوا حقا نزهاء فسيحسبون أنني مجنونة.»
ثم استيقظ ذعرها مرة أخرى عندما تذكرت الآنسة فروي. «لن يسمعوا إلي، لكن علي أن أجعلهم يفهمون الحقيقة بشأنها. هذا القطار طويل للغاية. لن أصل إلى مقصدي أبدا. وجوه. وجوه ضاحكة. الآنسة فروي. يجب أن أصل في الموعد المناسب.»
شعرت أنها سجينة كابوس مريع كأنما ثقلت فيه أطرافها بأثقال من رصاص ويأبى جسدها أن يستجيب لإرادتها. كان الركاب يعيقون طريقها، فكانت كلما تقدمت خطوة للأمام ترجع خطوتين للخلف. في خيالها المضطرب، كانت وجوه أولئك الغرباء رسومات هزلية للطبيعة البشرية، خاوية وفاقدة للحس وبلا قلب. فبينما الآنسة فروي في طريقها لأن تقتل لا يكترث أي منهم لشيء سوى العشاء.
بعد جهاد طويل في عدة أقسام من القطار - عندما استحالت الممرات الواصلة إلى كونسيرتينات تعزف ألحانا لصرير الحديد - وصلت إلى عربة المطعم. عندما سمعت طنين احتكاك الخزف وهمهمة الأصوات هدأت عاصفة ذهنها، فظلت واقفة عند المدخل يصارع حسها بالعرف خوفها وذعرها الغريزيين.
كان الحساء يقدم، وكان من يتناولون العشاء يحتسونه بنهم؛ إذ انتظروا وجبتهم طويلا. أدركت آيريس في لحظة من صفاء الذهن أن محاولة إقناع رجال جائعين بدءوا يتناولون عشاءهم للتو لا أمل منها.
مرة أخرى، لاقت نظرات عدائية وهي تسير في الممر بين الطاولات. ضحك نادلان يتهامسان ضحكة مكتومة، فرأت أنهما يسخران منها حتما.
كان البروفيسور، الذي تشارك طاولة مع هير، أول من رآها، فلاح على وجهه الطويل نظرة توجس خاطفة. كان يتجاذب أطراف الحديث مع الطبيب، الذي بقي ليحتسي القهوة والنبيذ؛ إذ لم تكن المقاعد للعشاء الثاني مشغولة جميعها.
حدقوا جميعا بآيريس فسرت قشعريرة في جسد آيريس من ذلك الاستقبال. حتى عينا هير لم تحملا ترحابا؛ إذ تطلع إليها بعبوس قلق.
अज्ञात पृष्ठ