1 - بلا ندم
2 - التحذير
3 - محادثة قصيرة
4 - إنجلترا تنادي
5 - قطار الليل السريع
6 - غرفة الانتظار
7 - الركاب
8 - استراحة الشاي
9 - أبناء وطن واحد
10 - المقعد الخاوي
अज्ञात पृष्ठ
11 - إبرة في كومة قش
12 - الشهود
13 - حلم داخل الحلم
14 - أدلة جديدة
15 - مشهد التحول
16 - الشاهدة الرئيسية
17 - لم يكن ثمة آنسة فروي
18 - المفاجأة
19 - اليد الخفية
20 - غرباء يتدخلون
अज्ञात पृष्ठ
21 - أكاذيب
22 - إضاعة الوقت
23 - ضع رهانك
24 - وتدور عجلة الحظ
25 - اختفاء غريب
26 - توقيع
27 - اختبار الحمض
28 - ارفعي يدك
29 - ترييستي
30 - إنكار
अज्ञात पृष्ठ
31 - صحن حساء
32 - الحلم
33 - البشير
1 - بلا ندم
2 - التحذير
3 - محادثة قصيرة
4 - إنجلترا تنادي
5 - قطار الليل السريع
6 - غرفة الانتظار
7 - الركاب
अज्ञात पृष्ठ
8 - استراحة الشاي
9 - أبناء وطن واحد
10 - المقعد الخاوي
11 - إبرة في كومة قش
12 - الشهود
13 - حلم داخل الحلم
14 - أدلة جديدة
15 - مشهد التحول
16 - الشاهدة الرئيسية
17 - لم يكن ثمة آنسة فروي
अज्ञात पृष्ठ
18 - المفاجأة
19 - اليد الخفية
20 - غرباء يتدخلون
21 - أكاذيب
22 - إضاعة الوقت
23 - ضع رهانك
24 - وتدور عجلة الحظ
25 - اختفاء غريب
26 - توقيع
27 - اختبار الحمض
अज्ञात पृष्ठ
28 - ارفعي يدك
29 - ترييستي
30 - إنكار
31 - صحن حساء
32 - الحلم
33 - البشير
عجلة الحظ
عجلة الحظ
تأليف
إثيل لينا وايت
अज्ञात पृष्ठ
ترجمة
سارة ياقوت
مراجعة
هاني فتحي سليمان
الفصل الأول
بلا ندم
في اليوم الذي سبق وقوع الكارثة، انتاب آيريس كار للمرة الأولى في حياتها واجس خطر. كانت قد اعتادت أن تكون في كنف زمرة من الناس تدعوهم - في إطراء عفوي - «أصدقاءها». لكونها يتيمة ذات مال وجمال، دائما ما كان يحيط بها لفيف من الناس. كانوا يفكرون عوضا عنها - أو بالأحرى، كانت هي توافقهم في آرائهم وفي المقابل كانوا هم يصدحون نيابة عنها - إذ لم يكن صوتها مسموعا كفاية في المحافل الاجتماعية.
كان وجودهم الدائم حولها يعطي انطباعا وهميا بأن دائرة معارفها واسعة، لكن في الحقيقة، كانت الوجوه نفسها تتكرر برتابة متعاقبة. كما أنهم جعلوها تتذوق حلاوة الشهرة؛ فقد ظهرت صورتها في الصحف المصورة عندما عرض عليها أحد المصورين الشهرة، بعد إعلان خطبتها على أحد أفراد زمرتها في الصحف.
كان ذلك يعني ذيوع صيتها.
ثم بعد ذلك بوقت ليس بطويل، فسخت الخطبة برضا الطرفين، وقد كانت تلك فرصة ذهبية لالتقاط صورة أخرى؛ وهذا يعني مزيدا من الشهرة. كانت أمها، التي توفيت وهي تلدها ، لتبكي أو تبتسم لتلك الومضات المثيرة للشفقة من بهرج الحياة البشرية، الذي يتعالى فوق الظلمات من تحته كفقاعات غاز المستنقعات.
अज्ञात पृष्ठ
عندما شعرت آيريس بالخطر للمرة الأولى، حدث ذلك في خضم عافيتها وسعادتها بعد أن قضت عطلة استشفاء غير تقليدية. بفرحة انتصار المستكشفين الأوائل، نزلت الزمرة بقرية خلابة فقيرة لكن بديعة، متوارية في مكان متطرف بأحد أرجاء أوروبا، واحتلوها بتدوين أسمائهم في سجل النزلاء.
لقرابة الشهر، احتلوا الفندق الوحيد بها؛ مما تسبب في ارتباك لا يخلو من السعادة لصاحب الفندق وطاقم خدمته. تسلقوا الجبال، وسبحوا في البحيرة، ولم يتركوا منحدرا إلا وتشمسوا فوقه. وعندما كانوا يقضون أوقاتا داخل الفندق، كانوا يملئون الحانة، يعلو صخبهم على صوت المذياع، ويمنحون بقشيشا لقاء أي خدمة تافهة. كان المالك يبتسم لهم من وراء صندوق الدفع المكتظ بالنقود، وكان النوادل يمنحونهم معاملة مميزة، وهو ما كان يثير سخط النزلاء الإنجليزيين الآخرين المبرر.
في نظر هؤلاء الأشخاص الستة، كانت آيريس مجرد واحدة من الزمرة، فتاة من الطبقة شبه الراقية، مغرورة وأنانية وعديمة النفع. بطبيعة الحال، لم يكن لديهم أي دراية بنظام استرداد النقاط، وهي لفتة كرم كانت تجعلها تتحمل هي الفاتورة بحكم العادة عندما كانت تتغدى هي و«أصدقاؤها»، ولفتة شفقة حقيقية تجاه المآزق التي كانت تتعرض لها.
كانت تنتابها لحظات قليلة من التبرم وازدراء الذات، لكنها كانت تعي وجود نزعة من الأنفة لديها، دفعتها لأن تنأى بنفسها عن أي ميل للخوض في المجون. في تلك العطلة، سمعت آيريس نداءات الإغواء، إلا أنها لم تذعن لها.
بعد مدة وجيزة، تراخت قيود العرف المتساهلة بين أفراد الزمرة؛ إذ لفحت الشمس بشرتهم، واحتسوا الخمر فذابت الحدود بين المتزوجين منهم. كانت آيريس محاطة بأزواج وزوجاتهم من شتى الألوان؛ لذا كانت صدمتها قوية عندما استيقظ حس التملك فجأة بعد فوات الأوان لدى إحدى الزوجات - تدعى أولجا - واتهمتها بسرقة زوجها.
بجانب بشاعته، أغاظ ذلك المشهد حس العدالة فيها؛ فهي لم تفعل سوى أنها تحملت شكوى رجل أهملته زوجته، وبدا مجرد ترس احتياطي في آلة الزواج المفككة. ليس خطؤها أن الرجل فقد صوابه.
ومما زاد الطين بلة أنه في خضم تلك الأزمة، لم تر أي دليل على وفاء حقيقي من أصدقائها، الذين لم يخفوا استمتاعهم بما نتج عن ذلك من إثارة؛ لذا، كي تخفف من توترها، قررت ألا تعود إلى إنجلترا معهم، وأن تمكث يومين آخرين وحدها.
في اليوم التالي، كانت لا تزال تشعر بالإرهاق وهي ترافق زمرتها إلى محطة القطارات الصغيرة البدائية. كانوا قد تأقلموا بالفعل على فكرة العودة إلى المدنية، فعادوا لارتداء الملابس الفاخرة، وعاد كل زوج إلى زوجته الشرعية، كإجراء طبيعي لتسهيل التعرف على حقائب السفر والحجوزات.
كان القطار متجها إلى ترييستي، وهي مدينة موجودة على الخريطة بلا ريب. وكان مكتظا بالسياح، الذين كانوا هم أيضا في طريقهم إلى حيث الطرقات المرصوفة والمضاءة. بعد أن تركوا وراءهم التلال وضوء النجوم، بدأت الزمرة تتفاعل مع الضجيج والعجيج العام، وبدا أن وفاءهم القديم قد عاد إليهم وهم ملتفون حول آيريس. «أواثقة أنك لن تملي يا عزيزتي؟» «غيري رأيك واصعدي على متن القطار.» «يجب أن تأتي معنا.»
عندما انطلقت الصافرة، حاولوا أن يجذبوها إلى داخل المقطورة، على حالها ذاك؛ بسروالها القصير، وحذاء التسلق ذي النعل المدبب، ووجه تكسوه لمعة برونزية من لفحة الشمس وقد كان خاليا من مساحيق التجميل. جاهدت بكل ما أوتيت من قوة كي تتحرر من قبضتهم، وبالكاد نجحت في القفز من القطار بينما كان الرصيف قد بدأ يتحرك بمحاذاة النافذة.
अज्ञात पृष्ठ
وقفت تضحك وتلهث من الجهد الذي بذلته، ولوحت خلف القطار المبتعد، حتى اختفى وراء منعطف الخور.
كادت تشعر بالذنب عندما غمرها الارتياح لفراق أصدقائها، لكن مع أنها قضت عطلة سعيدة، كانت تستقي سعادتها تلك في الأغلب من المصادر البدائية؛ من الشمس والمياه ونسيم الجبل. وهي في أحضان الطبيعة، كانت تكره نوعا ما تطفل البشر.
كانوا جميعا يلازم أحدهم الآخر على نحو متقارب وحميمي. في بعض الأحيان كانت تسمع أصواتا ناشزة - ضحكة عالية حادة لامرأة - أو تلحظ هيئة رجل بدين يتأهب للقفز في الماء، مع الصيحة المتكررة الطائشة: «يا إلهي!»
صحيح أنها صارت تنظر إلى أصدقائها نظرة ناقدة، لكنها مع ذلك ظلت تسبح مع التيار. على غرار باقي رفقائها، كانت تطري بحماسة المناظر الطبيعية، فيما كانت تعتبرها أمرا عاديا؛ فازدياد المناظر الطبيعية حسنا في مقابل تدني معايير الصحة العامة هو نتيجة طبيعية للسفر إلى الأماكن النائية.
أخيرا، صارت وحدها في صحبة الجبال والسكون. بالأسفل منها، كانت هناك بحيرة زاهية الخضرة، تعكس صفحتها البريق المتلألئ لضوء الشمس. وكانت تظهر معالم قمم الجبال التي تغطيها الثلوج على مسافة بعيدة لقاء السماء بلونها الأزرق الزهري. على أحد التلال، وقف ركام قلعة قديمة داكنة، لها خمسة أبراج شامخة في السماء، كأصابع مبسوطة ليد شريرة.
كانت الألوان الصاخبة حولها في كل مكان، وكانت أزهار عجيبة تكسو حديقة المحطة، تجمع بين اللونين البرتقالي الناري والأصفر، ولها أوراق مدببة. وفي نقطة أعلى المنحدر، كان الفندق الخشبي الصغير مطليا باللونين البني المصفر والقرمزي الزاهي. لقاء الجدار الأخضر للخور، تصاعدت آخر حلقة دخان، فبدت مثل ريشات بيضاء تسبح في الهواء.
بعد أن تبددت، شعرت آيريس أن آخر خيط يربطها بزمرتها قد انقطع، فأرسلت قبلة مازحة في الهواء، ثم التفت ونزلت في المسار المنحدر الحجري. عندما وصلت إلى النهر الذي يصب فيه الجليد، ظلت واقفة على الجسر تلتمس الهواء المثلج الصاعد من مياهه المتلاطمة الخضراء المشوبة بالبياض.
عندما استرجعت المشهد الذي وقع أمس، أقسمت إنها لا تريد رؤية تلك الزمرة مرة أخرى؛ فقد ارتبطوا بواقعة تنافي فكرتها عن الصداقة. كانت تكن شيئا من الإعجاب لتلك المدعوة أولجا، التي قابلت وفاءها لها بإظهارها الفج للغيرة.
نفضت عن ذهنها تلك الذكرى؛ فهنا، تحت تلك السماء الزرقاء التي لا حدود لها، تتضاءل للغاية قيمة البشر، ولا يصبح لعواطفهم قيمة تذكر. فما هم إلا محطات عابرة في رحلة المرء من مهده إلى لحده، يتقاطع سبيله معهم ثم يتركهم ويمضي، بلا أسف.
لحظة تلو الأخرى، كانت الفجوة بينها وبينهم تتسع. كانوا يتبخرون من حياتها. أيقظت تلك الفكرة بداخلها شعورا بحرية كانت حديثة عهد بها، وكأن روحها تحررت على يد السكون والوحدة.
अज्ञात पृष्ठ
لكن بعد عدة ساعات ليست بالطويلة، كانت لتقايض جميع مباهج الطبيعة مقابل استعادتهم مرة أخرى.
الفصل الثاني
التحذير
بعد نحو أربع ساعات، استلقت آيريس باسطة ذراعيها وساقيها فوق أحد منحدرات الجبل على مسافة مرتفعة من القرية. بعد أن تركت وراءها الشفق البارد للخور، وعند ضريح تلتقي عنده الطرق، سلكت مسارا متعرجا شديد الانحدار صعودا لأعلى.
بعد أن خرجت من حيز الظل، لفحتها الشمس بضراوة، لكنها لم تبطئ وتيرة سيرها؛ فقد كانت أفكارها الحانقة تدفعها للمضي قدما؛ إذ لم تستطع طرد أولجا من فكرها.
كان الاسم يتردد بإلحاح في ذهنها. أولجا. أولجا التي أكلت خبزها، في صورة شرائح محمصة - حفاظا على رشاقتها - ورفضت أن تأكل ملحها، لاتباعها تقليعة غذائية ما. وكان ذلك يسبب العناء في المطبخ. أولجا التي استغلت هاتفها، وأساءت استخدام سيارتها. أولجا التي استعارت معطفها المصنوع من الفراء، وأعارتها زوجا لا حاجة لها به.
عندما تذكرت أوسكار زوج أولجا، انطلقت آيريس تركض بسرعة.
قالت حانقة: «وكأنما سأقع في حب رجل يشبه «ميكي ماوس».»
كانت تلهث عندما ألقت بنفسها أخيرا فوق العشب وقررت أن تكتفي بذلك القدر. كانت قمة الجبل الذي تحمست لصعوده تبتعد كلما تقدمت هي؛ لذا تخلت عن نيتها بلوغها.
وهي تستلقي مغمضة عينيها، تنصت لأزيز نسمات الهواء، عادت إليها سكينتها. نظرت إلى كومة من نبات الجريس تقف إزاء خط الأفق، فبدت لها وكأنما تعاظمت وصقلت حتى صارت كبرج جرس معدني، فيما شعرت بنفسها تتضاءل وتلتحم بالأرض وكأنما صارت جزءا منها، مثلها مثل الحجارة وجذور النباتات. وفي مخيلتها، كادت تسمع دقات قلب ضخم ينبض تحت رأسها.
अज्ञात पृष्ठ
لم تلبث تلك اللحظة أن مرت؛ إذ عادت تفكر في أولجا مرة أخرى. لكن تلك المرة، نظرت إليها من منظور مختلف؛ فقد منحها الارتفاع إيحاءه المعتاد بالأفضلية. تذكرت أن الوادي يرتفع أربعة آلاف قدم عن مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى أنها صعدت لارتفاع يزيد على خمسة آلاف قدم أخرى.
وبناء على تلك الحسبة، يسعها أن تكون كريمة؛ إذ إنها الآن أطول من صديقتها السابقة بتسعة آلاف قدم. هذا بالطبع على افتراض أن أولجا كانت كريمة كفاية وظلت في مستوى سطح البحر.
قررت أن تنفض عنها تلك الذكرى باعتبارها لا تستحق أي غضب إضافي.
وقالت: «لكني لن أكررها ثانية قط. لن أمد يد العون لأي شخص بعدما حدث.»
حمل صوتها نبرة الانفعال الحماسي لمن تكرس نفسها لخدمة قضية ما. بالشعور الفاضل الذي ينتاب من تعلم درسا دفع مقابله ثمنا باهظا، دخنت سيجارة قبل أن تنطلق في رحلة العودة. كان الهواء صافيا حتى إن جبالا لم ترها من قبل بدأت تلوح في الأفق طافية في السماء، وسط درجات من اللون البنفسجي الشفاف. رأت إحدى أذرع البحيرة، التي لم تعد خضراء، بل عتم لونها إلى الأزرق الباهت بفعل المسافة.
نهضت على مضض؛ فقد حان وقت الرحيل.
لم تكن رحلة النزول رتيبة فحسب، بل كانت مؤلمة أيضا؛ إذ كانت إمالتها لجسدها للخلف باستمرار ترهق عضلاتها غير الممرنة. فبدأت ربلتاها تؤلمانها، وكانت أصابع قدميها ترتطم بالمسار الحجري.
نفد صبرها، فقررت أن تخرج عن المسار المتعرج لتسلك طريقا مختصرا في واجهة الجبل، متخذة من البحيرة بوصلة تهتدي بها، اندفعت تنزل المنحدر.
كانت تلك مخاطرة جريئة، لكنها ما لبثت أن وجدت أن الانحدار شديد للغاية. كانت تنزل بسرعة شديدة فلم تستطع التوقف، ولم يسعها إلا أن تنزل في وضع الجلوس وتتزحلق على العشب الزلق، متكلة على الحظ.
منذ تلك اللحظة، تداعت الأمور بسرعة. في كل لحظة تمر، كانت سرعة نزولها تزداد رغم محاولاتها كبحها بقدميها. وكانت تمر من جانبها بسرعة خاطفة رقع زرقاء وخضراء بينما كان الوادي يقترب مسرعا لملاقاتها، فتلاقى مع السماء الزرقاء. أثناء ارتطامها بالأرض الخشنة، جنحت ناحية صف من الأشجار في القاع، على أمل أن تحميها من السقوط الكامل.
अज्ञात पृष्ठ
لسوء الحظ، كانت الأشجار قديمة وعطنة، فتحطمت إثر ارتطامها بها لتسقط خلالها وترتطم بالأرض في وسط المسار الحجري.
خففت الأشجار من حدة سقطتها نوعا ما، لكنها أحست بألم وذعر شديدين بينما كانت تهب واقفة على قدميها. على الرغم من جروحها، لم تنس أن تضحك ضحكتها المفتعلة التي تعلمت في المدرسة أن تقابل بها أي إصابة في لعبة رياضية.
تمتمت وهي تنزع الشظايا من ساقيها: «كان هذا ممتعا نوعا ما.»
لكن تهللت أساريرها عندما لمحت الضريح على بعد بضع أقدام منها في المسار؛ إذ كان ذلك تكليلا لنجاح جنوحها. لم تكن بعيدة عن الفندق، فنزلت الوادي بخطى ثقيلة وهي تفكر في جميع وسائل الراحة التي تنتظرها هناك؛ مشروب بارد كبير، وحمام دافئ، وعشاء في السرير. عندما لمحت التماعة صفحة الماء عند انحناءة الخور، انطلقت تركض بخطوات عرجاء من فرط حماستها.
دارت حول المنعطف ثم توقفت تحملق أمامها في دهشة بالغة؛ إذ اختفت جميع المعالم المألوفة لها، وكأنما محا شخص متطفل التضاريس بممحاة هندية. لم يكن هناك أي أثر لبيوت خشبية صغيرة، ولا محطة القطارات، ولا المرفأ ولا الفندق.
أصابها الهلع إذ أدركت أن البوصلة التي استدلت بها على طريقها لم تكن صحيحة؛ فتلك ليست هي البحيرة الخضراء المألوفة، التي اعتادت أن تسبح فيها يوميا هي وأصدقاؤها؛ فهي ليست بحيرة عميقة وبيضاوية الشكل، بل بركة ملتوية لها لون أزرق باهت، وضفتان ضحلتان يكسوهما البوص.
في وضعها الحالي، لم يكن أمامها سوى حل واحد؛ أن تعود أدراجها إلى الضريح ثم تسلك المسار الآخر.
وجدت ذلك أمرا مسليا، فانطلقت منها ضحكة مجلجلة ثم بدأت تسير بخطى متثاقلة بطيئة صاعدة مرة أخرى.
حبسها مزاجها المعكر للغاية من الاستمتاع بروعة المنظر الخلاب. كان مشهدا يعكس وحشة مطلقة، صدعته الانزلاقات أرضية، وتجمعت فوقه أكوام عالية من الحجارة المحطمة. لم تر أي زروع خضراء وسط الصخور الملساء الضخمة أو تسمع زقزقة أي طائر. كانت الأصوات الوحيدة المسموعة هي خشخشة الأحجار التي تتزحزح تحت قدميها، وخرير تيار مائي ضعيف، يمر مزبدا في مجراه شبه الجاف، مثل خيط أبيض متشابك.
كانت آيريس معتادة على الرفقة الدائمة، فبدأت تشتاق إلى الوجوه والأصوات. في خضم وحدتها تلك، تضاءلت نفسها حتى لم يبق منها سوى قدر ضئيل من الشفقة على الذات. ذكرت نفسها أنها عندما تعود إلى إنجلترا، فإنها لن تعود إلى منزلها مثل الباقين، بل سترجع إلى وطنها فحسب.
अज्ञात पृष्ठ
في الوقت الحالي، كانت تسكن في فندق؛ فقد أجرت شقتها الصغيرة الفاخرة المستأجرة، مع أنها هي من اختارت أسلوب حياتها. في ذلك الوقت وذلك المكان، شعرت أنها دفعت ثمنا باهظا لقاء حريتها.
لم تدم حالتها المزاجية؛ ففي أعلى المسار، واجهت أمرا تطلب منها استدعاء رباطة جأشها. فعندما تلفتت حولها تتبين الاتجاهات، اكتشفت أن ذلك الضريح مختلف عن المعلم الأصلي الذي سلكت عنده المسار المتعرج.
تلك المرة لم تضحك؛ إذ شعرت أن ذلك سيكون مبالغة في التندر. عوضا عن ذلك، شعرت بالحنق من نفسها. كانت تعتقد أنها تعرف تلك الجبال؛ لأنها جابت تلك الأخوار صعودا ونزولا مع أصدقائها، كقطيع من الماعز البري.
لكنها كانت مجرد تابعة يسوقها الآخرون، وهي وسط الجماعة كانت تتبع القائد الحتمي؛ ذلك الشاب الذي يحمل الخريطة.
لكن وحدها، لم يكن لديها أي فكرة عن اتجاهها. لم يكن أمامها سوى أن تتبع الخور صعودا حتى يتشعب مرة أخرى معتمدة على الحظ.
قالت مجادلة: «إن تابعت المسير فأصل حتما إلى مكان ما، كما أن من يسأل لا يتوه.»
كانت بحاجة لاستحضار جلدها؛ إذ كانت تشعر بإنهاك بالغ، بالإضافة إلى ألم كعبها الذي يعيق حركتها. عندما وصلت أخيرا إلى مفترق طرق خيرها بين عدة طرق، لم يكن لديها ثقة في حكمها كي تجرب. جلست على صخرة ملساء منتظرة الفرصة لأن تستوقف أي شخص يمر.
كانت لحظة فارقة في حياتها عندما أدركت أن استقلالها يتلخص فقط في قدرتها على توقيع الشيكات لصرف أموال جناها آخرون، وفي شعبيتها التي لم تكن سوى عائد لتلك الشيكات.
قالت في نفسها: «طوال حياتي كنت أنساق وراء الآخرين. حتى إن مر شخص من هنا، فأنا أسوأ خبيرة لغوية في العالم.»
كان في ذلك الوصف إطراء لها؛ إذ لا تملك أدنى حق في لقب خبيرة لغوية. كان جهلها باللغات الأجنبية هو نتيجة دراستها في باريس ودريسدن. خلال مدة دراستها بالمدرسة، لم تكن تخالط سوى الفتيات الإنجليزيات الأخريات، كما أن معلميها من أهل البلد كانوا يتقنون اللهجات الإنجليزية.
अज्ञात पृष्ठ
كان ذلك هو تفسيرها لمعنى البيت القائل: «امنحنا النصر.» في النشيد الوطني.
لكن الوطنية لم تعنها في الوقت الراهن؛ فقد ساورها القليل من الشك عندما أقبل رجل أسمر عريض المنكبين يرتدي سروالا قصيرا من الجلد وحمالات سروال ذات لون متسخ يسير متهاديا في المسار.
من بين أصدقاء آيريس، كان هناك شاب ماهر باللغات. من خلال معرفته بالجذور المشتركة بين اللغات، استطاع أن يستخدم اللغة الألمانية كلغة تواصل؛ لكنه كان يضطر لأن يستخدم مخيلته كي يفهم الآخرين ويجعلهم يفهمونه.
تذكرت آيريس بوضوح كيف كان أصدقاؤها يصيحون مستهزئين من محاولاته الفاشلة، عندما نادت على الرجل بالإنجليزية وطلبت منه أن يرشدها إلى القرية.
حملق بها، ثم رفع كتفيه وهز رأسه.
لم تلق محاولتها الثانية - التي تحدثت فيها بنبرة أعلى - نجاحا أكبر من سابقتها. شرع الفلاح الذي كان يبدو على عجلة من أمره في متابعة طريقه، لكن آيريس سدت طريقه.
أدركت عجزها الشديد، وشعرت كأنها كائن أعضب قطع لسانه، لكن كان عليها أن تجذب انتباهه، وأن تحمله على فهمها. شعرت أنها نزلت من مرتبة الإنسان العاقل، فاضطرت لأن تأتي بحركات إيمائية، مشيرة إلى الطرق البديلة واحدة تلو الأخرى، بينما تردد اسم القرية.
قالت في نفسها: «يجب أن يفهم ذلك، وإلا فهو غبي.»
بدا أن الرجل فهم مضمون ما تنشده؛ فقد أومأ برأسه عدة مرات، لكن عوضا عن الإشارة إلى اتجاه محدد، بدأ يتحدث بكلام غير مفهوم.
بينما كانت تصغي إلى سيل الأصوات الحنجرية، فقدت أعصابها فجأة، وشعرت أنها انقطعت عن جميع صور التواصل البشري، وكأنما محي خط حدودي، وانقطعت بها السبل في بقعة نائية من آسيا لا في أوروبا.
अज्ञात पृष्ठ
دون مال ودون لغة مشتركة، ربما تظل هائمة على وجهها للأبد. ربما هي الآن تسير مبتعدة عن القرية في طريقها إلى الأدغال. كان للخور العديد من الروافد الفرعية، مثل تعرجات بحر داخلي.
عندما بدأ الخوف يتملك منها بدأ وجه الفلاح يزيغ أمام عينيها وكأنها في كابوس. لاحظت أن جلده يلمع، وأن لديه حرقدة صغيرة؛ لكن أنفها التقطت رائحته الفائحة المشوبة برائحة الماعز؛ إذ كان يتعرق من أثر الصعود.
صاحت بهرع: «أنا لا أفهم كلمة واحدة مما تقول. توقف. أرجوك توقف. ستدفعني إلى الجنون.»
بدوره، لم يسمع الرجل سوى سلسلة من الكلمات غير المفهومة. كان يرى فتاة ترتدي ملابس الرجال، نحيلة على نحو غير جذاب - حسب معايير الجمال المحلية - ركبتاها متسختان ومجروحتان. وهي فتاة أجنبية، مع أنه لا يعرف جنسيتها. علاوة على ذلك، فهي منفعلة للغاية، وتتحدث بنبرة عالية عصبية، كما أنها شديدة الغباء.
إذ لم يبد أنها فهمت أن اسم القرية الذي تردده له لا يعدو حتى نصف الاسم، فيما هناك ثلاث قرى صغيرة مختلفة تبتدئ أسماؤها بالبادئة نفسها. شرح لها ذلك، وسألها عن الاسم كاملا.
حتى إن فهمت آيريس ما يقوله الرجل، لم تكن لتستطيع أن تخبره به؛ إذ إن اسم القرية كان ثقيلا للغاية على اللسان فلم تحاول أن تتبين نطقه كاملا، بل اكتفت بأول ثلاثة مقاطع منه كباقي رفقائها.
كان الوضع ميئوسا منه. للمرة الأخيرة قطب الفلاح وجهه وهز كتفيه، ثم مضى في طريقه تاركا آيريس وحدها وسط الجبال.
أحاطتها الجبال مثل خطر محدق. كانت قد اشترت بطاقات بريدية تحمل صورها وأرسلتها بعد أن كتبت عليها التعليق التقليدي: «منظر طبيعي خلاب.» حتى إنها كتبت على إحداها بعد أن رسمت صليبا هازئا فوق إحدى القمم: «تلك هي حجرتي.»
ها هي الجبال تأخذ ثأرها منها الآن. بينما انكمشت خوفا أسفل الأجراف الشاهقة، شعرت أن مجرد هزة في قممها الشامخة كفيلة بأن تسحقها إلى رماد تحت انهيار صخري. أشعرتها الجبال بالضآلة، ومحت تفردها، وأطفأت حماستها.
لكن أصواتا تتحدث بالإنجليزية جاءت لتكسر التعويذة. فمن وراء منحنى المسار، جاء الزوجان حديثا الزواج اللذان تعرفهما من الفندق.
अज्ञात पृष्ठ
كان هذان الحبيبان يحظيان باحترام الجميع حتى جماعة أصدقائها؛ لتحفظهما الشديد ومظهرهما البهي. كان الزوج طويلا ووسيما، وله مشية مهيبة، وصوت واثق، وكان يرفع رأسه لزاوية توحي بالفخر الزائد. كان النوادل يهرعون إليه عندما يومئ برأسه، وكان صاحب الفندق يخاطبه بلقب «سيدي» على الأرجح استنادا إلى تأجيره غرفة جلوس خاصة.
أما الزوجة فكانت تقترب منه في الطول، وكانت صاحبة قوام ممشوق ووجه لا تشوبه شائبة. كانت ترتدي ثيابا جميلة لا تناسب البرية على الإطلاق، لكن كان من الواضح أنها ترتديها بحكم العادة، وإرضاء لزوجها دون سواه.
كان لهما معاييرهما الخاصة، وكانا يتجاهلان النزلاء الآخرين، الذين سلموا بأنهما ينتميان إلى طبقة اجتماعية أعلى. كان يعتقد أن اسم «تودهانتر» المدون بسجل الفندق هو اسم مستعار استخدماه لإخفاء هويتهما الحقيقية.
مرا من أمام آيريس دون أن يلحظاها تقريبا. رفع الرجل قبعته بشرود، لكن لم يبد من نظرته أنه عرفها. أما زوجته فلم ترفع عينيها البنفسجيتين عن المسار الحجري؛ فقد كانت ترتدي حذاء ذا كعب عال.
كانت تتحدث بصوت خافت، لكنه مع خفوته حمل نبرة حادة. «لا يا عزيزي. لن أبقى يوما آخر، حتى إن كان من أجلك أنت. لقد مكثنا لوقت ...»
لم تسمع آيريس باقي العبارة. تأهبت للحاق بهما من مسافة بعيدة؛ إذ شعرت بخجل شديد من مظهرها المنهك.
أعاد إليها وصول العروسين شعورها بالقيمة؛ إذ كان وجودهما دليلا على أن الفندق ليس ببعيد، فهما لا يسيران قط لمسافات طويلة. تلك المعلومة جعلت الجبال تنكمش إلى حجمها بالصور، بينما عادت هي من شخص تائه إلى فتاة لندنية تعنى عناية شديدة بقصة سروالها القصيرة.
خلال وقت قصير تعرفت على الضريح الأصلي الذي تركت عنده المسار. نزلت في المسار بخطوات عرجاء، وعلى الفور لمحت التماعة البحيرة القاتمة وأضواء الفندق تتوهج من وراء صفحتها الخضراء القاتمة.
بدأت تفكر مرة أخرى في الحمام الدافئ والعشاء عندما تذكرت أنها مرهقة وجائعة.
كان واضحا أنه لم يتبق سوى الآثار الجسدية لمغامرتها، لكن حس الأمان لديها تلقى ضربة، في واقع الأمر، وكأن مغامرتها تلك كانت خطرا قادما من المستقبل ليكشف لها عن هول شعور العجز بعيدا عن كل ما هو مألوف.
अज्ञात पृष्ठ
الفصل الثالث
محادثة قصيرة
عندما عاد الزوجان حديثا الزواج إلى الفندق، كان النزلاء الأربعة الباقون يجلسون بالخارج في الساحة المرصوفة بالحجارة أمام الشرفة، يستمتعون بالزمن الفاصل المريح للأعصاب «بين الضوءين». كانت الأجواء معتمة بما لا يسمح بكتابة الخطابات أو المطالعة، لكن الوقت لا يزال مبكرا لارتداء ملابس العشاء. بدا من الأكواب الفارغة وبقايا الكعك على إحدى الطاولات أنهم احتسوا شاي ما بعد الظهيرة في الهواء الطلق ولم يتحركوا منذ ذلك الحين.
كان معتادا من اثنتين منهم، الآنستان فلود-بورتر، أن تستقرا في مكانهما. لم تكونا من النوع الكثير الحركة؛ كونهما قد بلغتا العقد الخامس من عمريهما، وتأقلمتا على قواميهما وكذلك عاداتهما. كان لكليهما شعر أشيب مموج منمق، احتفظ بشيء من لونه الأصلي كان كافيا ليمنح صاحبته لقب «شقراء» الشرفي. كانا يتشاركان أيضا بشرة صافية بطبيعتها وتعبيرات وجه حادة.
كانت ببشرة الأخت الكبرى الرقيقة - الآنسة إيفيلين - تجاعيد بسيطة؛ إذ إنها شارفت على الستين، بينما كانت الآنسة روز قد غادرت لتوها عقدها الرابع. كانت الأخت الصغرى أطول من أختها وأكثر امتلاء، وكان صوتها أعلى، ولون بشرتها أدكن. كانت في شخصيتها الممتازة مسحة تنمر ودية، جعلتها تميل إلى توبيخ أختها.
خلال زيارتهما، كونا فرقة رباعية مع القس كينيث بارنز وزوجته. كانوا قد جاءوا على القطار نفسه، وكانوا ينوون العودة إلى إنجلترا معا. كان القس وزوجته يتمتعان بهبة حسن العشرة، والتي أرجعتها الأختان - اللتان تفتقران إليها - إلى الأذواق والميول المشتركة.
كانت الساحة مفروشة بكراس وطاولات حديدية مطلية بألوان زاهية، وتزينها أحواض بها شجيرات دائمة الخضرة يكسوها الغبار. عندما تطلعت الآنسة فلود-بورتر حولها، تذكرت منزلها المبهج الذي يقع في مدينة ذات كاتدرائية.
حسبما تذكر الصحف، هطل المطر في إنجلترا؛ لذا ستكون الحديقة حتما في أبهى صورها، بعشبها الأخضر وسياجها الذي تغطيه أزهار الأسطر والأضاليا.
قالت: «أتطلع إلى رؤية حديقتي مجددا.»
قالت أختها فظة اللسان مصححة: «تقصدين حديقتنا.»
अज्ञात पृष्ठ
قال القس ضاحكا: «وأنا أتطلع إلى الجلوس في كرسي مريح. ها قد أتى الزوجان.»
على الرغم من اهتمامه العطوف برفقائه، لم يلق عليهما تحية ودية؛ إذ كان قد تعلم من محاولته الأولى - والأخيرة - أنهما يكرهان أي تدخل في خصوصياتهما؛ لذا استرخى في مقعده، ينفث دخان غليونه، وهو يراقبهما يصعدان سلالم الشرفة.
وقال بصوت يحمل استحسانا: «يا لهما من زوجين جميلين!»
قالت الآنسة فلود-بورتر معلقة: «أتساءل من هما حقا. وجه الرجل يبدو مألوفا بالنسبة لي. أنا واثقة أني رأيته من قبل في مكان ما.»
قالت أختها مقترحة: «ربما في فيلم سينمائي.»
قاطعتها السيدة بارنز بحماسة على أمل أن تجد اهتماما مشتركا آخر؛ إذ كانت تكن شغفا للسينما يشوبه الشعور بالذنب: «هل تذهبان إلى السينما؟»
ردت الآنسة فلود-بورتر مفسرة: «لا نذهب إلا لمشاهدة أفلام جورج آرليس وديانا وينيارد.»
قال القس: «هذا يحسم الأمر؛ فهو قطعا ليس جورج آرليس، ولا هي ديانا.» «لكني مع ذلك أشعر أن هناك أمرا غامضا يتعلق بهما.»
قالت السيدة بارنز موافقة: «وأنا كذلك. أتساءل، أتساءل إن كانا متزوجين حقا.»
سألها زوجها مباغتا: «ماذا عنك؟»
अज्ञात पृष्ठ
ثم ضحك ضحكة ودودة عندما احمر وجه زوجته خجلا. «آسف على مباغتتك يا عزيزتي، لكن أليس من الأسهل أن نفترض كوننا جميعا ما ندعيه؟ حتى القسيسين وزوجاتهم.» نفض الرماد من غليونه، ثم نهض من كرسيه. «أظن أنني سأتمشى حتى القرية لأتحدث قليلا إلى أصدقائي.»
سألت الآنسة روز بفظاظة بعد أن غادر القس الحديقة: «كيف سيتحدث إليهم وهو لا يعرف لغتهم؟»
أجابت زوجته بفخر: «هو يحملهم على فهمه. بالتعاطف كما تعرفين، وبالإنسانية المشتركة. لن يمانع ملامسة أنفه بأنف رجل بدائي تحية له.»
قالت الآنسة فلود-بورتر: «أخشى أننا دفعناه للمغادرة بحديثنا عن الفضائح.»
قالت السيدة بارنز: «كان ذلك خطئي. أعرف أن الناس يحسبونني فضولية، لكني في الواقع أضطر لأن أحمل نفسي على إبداء الاهتمام بشئون جيراني؛ فذلك بمثابة احتجاج مني على الخجل العارم لدى أبناء وطننا.»
قاطعتها الآنسة روز: «لكننا نعتز بذلك؛ فإنجلترا لا تحتاج إلى الدعاية لنفسها.» «بالطبع، لكننا لن نمر من هنا سوى مرة واحدة، ويجب أن أذكر نفسي أن الغريب الجالس بجواري ربما يكون واقعا في ورطة ما وربما أستطيع مساعدته.»
نظرت إليها الأختان نظرة استحسان. كانت امرأة نحيلة في منتصف الأربعين، ذات وجه بيضاوي شاحب، وشعر داكن، وملامح عذبة. كان الصدق والطيبة يطلان من عينيها البنيتين الواسعتين، وكانت مخلصة في أفعالها.
كان من المستحيل أن يرتبط اسمها إلا بالنزاهة المطلقة. كانتا تعرفان أنها تتكبد عناء الاسترسال في الشرح، خشية أن تخاطر بإعطاء انطباع خاطئ.
وهي بدورها، كانت معجبة بالأختين؛ فهما سيدتان ذواتا مكانة مرموقة ولا غبار على احترامهما. يشعر المرء أنهما ستؤديان دورهما في لجان المحلفين بتميز، وتؤديان واجبهما تجاه الرب وتجاه جيرانهما، دون أن تسمحا لأحد بإعطائهما توجيهات تخص طبيعة ذلك الدور.
كانتا أيضا تنعمان بحياة رغيدة؛ إذ تملكان منزلا رائعا بحديقة، ولديهما خادمات مدربات جيدا، وأصول مجمدة في البنك. كانت السيدة بارنز تعلم ذلك؛ لذا كونها بشرا، شعرت بالأفضلية عندما فكرت أن الرجل الوحيد في جمعهم هو زوجها.
अज्ञात पृष्ठ