لم يعد ضوء الشمس المخضر يسطع من وراء النباتات المتسلقة التي كست النوافذ، لكنها اعتادت الظلام؛ فلدواعي الاقتصاد كان المصباح لا يضاء إلا في آخر لحظة ممكنة، كما أنها لم تتأثر بالمنظر الكئيب خارج غرفة نومها التي تطل على أحد جوانب ساحة الكنيسة.
لأن أسرة فروي عاشت في البيوت المخصصة لخادمي الأبراشية لمدة طويلة، فقد تأصلت فيهم عادة السكن بالقرب من الكنسية. كانت قد عودت نفسها أن تتخيل، كلما نظرت إلى شواهد القبور المائلة التي صار أصحابها في طي النسيان، مشهد بعث مهيب، تنفتح فيه القبور فجأة، وتتطاير محتوياتها في الهواء كسيل من الشهب اللامعة.
تلك الليلة، عندما استحال الأخضر رماديا تماما، ساورها أول مخاوفها. «أتساءل إن كان صحيا أن ننام قريبين إلى ذلك الحد من تلك الجثث المتعفنة.»
في الظروف العادية، كانت لتهزأ بتلك الفكرة، لكنها لم تستطع أن تزحزح القرد الأسود الذي جثم على عاتقها. ظلت المخاوف والهواجس الغامضة تساور عقلها.
قالت لنفسها إنها ستكون ممتنة للغاية لعودة ويني سالمة. السفر حتما يحمل مخاطر، وإلا ما كانت شركات السكك الحديد لتصدر سياسات التأمين. ماذا إن مرضت ويني أثناء الرحلة واضطروا لأن يتركوها في غرفة انتظار ببلد أجنبي؟
يمكن أن يحدث لها أي شيء؛ حادث قطار، أو حتى ما هو أسوأ. المرء يقرأ عن تلك الأمور المريعة التي تحدث للفتيات اللاتي يسافرن بمفردهن. ويني لم تعد فتاة فعليا - حمدا لله - لكنها تعد صغيرة بالنسبة لمن هم في عمرها.
في تلك اللحظة، تمالكت السيدة فروي نفسها.
ذكرت نفسها قائلة: «لم يبق سوى ليلتين. من المفترض أن تكوني في بالغ سعادتك، لا أن تظلي مكتئبة تعانين وجعا بالبطن. والآن لتكتشفي ما وراء كل ذلك.»
بعد مدة قصيرة، ظنت أنها توصلت إلى السبب الفعلي لاكتئابها. كان السبب هو بقعة التوت البري التي لطخت أفضل مفرش طاولة تملكه، والتي لم تزل تماما بعد بالملح.
قالت: «أيتها الحمقاء، سيزول عندما يغلى في المغسلة.»
अज्ञात पृष्ठ