أجابها البروفيسور: «بل كنت لأعتبرك قد خذلت كلبك إن ضحيت بمصلحته في مقابل مشكلة غير معقولة كتلك.» «هذا ما أراه أيضا. شكرا لك يا بروفيسور!» تفحصت الآنسة روز كفيها القويتين الورديتين. «لقد تلوثت يدي. أحرى بي أن أذهب للاغتسال.»
عندما خرجت إلى الممر، أسرت الآنسة فلود-بورتر للبروفيسور.
قالت: «لم يسعني أن أذكر الأمر أمام أختي - فهذا موضوع حساس بالنسبة إليها - لكننا مررنا لتونا بتجربة محطمة للأعصاب، وأنا أرى أن ما فعلناه من خير ليس بالقليل. هل أضجرك؟» «على الإطلاق.»
بدأت الآنسة فلود-بورتر تروي تلك الأحداث التي لعبت دورا في تشكيل سلوك الأختين؛ وبهذا كان لها أثر - غير مباشر - على مصير امرأة غريبة. «نحن نقطن في حي هادئ للغاية قريب من الكاتدرائية، لكن تعكر صفو الجميع عندما جاء شخص مريع ليسكن به. أحد المتربحين من الحرب، هكذا أسمي أمثاله جميعا. في أحد الأيام، كان يقود سيارته بسرعة جنونية - وهو سكير كعادته - فدهس امرأة. رأينا الحادث وأدلينا بشهادتنا، فحبس على أثر ذلك ستة أشهر؛ إذ لم تكن القضية ضده متماسكة.» «أهنئكما على حسكما بالمسئولية العامة.» «يؤسفني أننا كنا كذلك راضيين جدا عن نفسينا، حتى خرج من السجن. بعد ذلك صرنا هدفا له. آذانا ذلك الرجل بشتى الطرق بمساعدة صبيانه؛ فحطموا نوافذنا وأغاروا على مراقد الأزهار، وألقوا بأشياء مريعة عبر أسوار الحديقة، وكتبوا رسائل بذيئة بالطباشير على البوابة. لم نستطع أن نمسك بهم متلبسين، مع أننا لجأنا للشرطة فوضعوا حراسة خاصة على المنزل. بعد مدة نال الأمر من أعصابنا. أينما نكون وأيما نفعل، دائما ما كنا نترقب سماع صوت حادث آخر. كان أثر ذلك الأمر أكبر على أختي؛ إذ كانت تخشى بشدة أن يكون أحد حيواناتها الأليفة هو ضحيتهم التالية. لحسن الحظ، قبل أن تصل الأمور إلى ذلك الحد، ترك ذلك الرجل البلدة.»
قطعت الآنسة فلود-بورتر حديثها؛ فقد اجتاحتها الذكريات التي أيقظتها.
بدأ الأمر في ذلك الصباح الذي خرجت فيه إلى الحديقة لتجد أن أزهار الدلفينيون الفريدة خاصتها قد اقتلعت من جذورها أثناء الليل.
بعد ذلك بدأ التوتر يتزايد، واستمرت المضايقات، والخسائر المالية التراكمية، ولم تعد ثمة جدوى من الإصلاحات؛ إذ كان زجاج النوافذ يحطم مرة أخرى بعد استبداله. كان الأمر أشبه بالوقوف في مفترق طرق في يوم عاصف تتلطمك دوارة ريح غير مرئية، تظل تدور حول نفسها مرارا وتكرارا بعد أن تضرب ضربتها. كانتا تتوجسان خيفة كلما مر من جوارهما الصبية الخبثاء مسرعين بدراجاتهم، ويبتسمون لهما ابتسامة انتصار وقحة، ثم بعد مدة تحطمت أعصابهما، فجمح معهم خيالهما، وبدأتا تخشيان ما يخبئون لهما من شرور أفظع.
انتهى الأمر في تلك الليلة التي وجدت فيها الآنسة فلود-بورتر أختها روز تبكي. لو أن صخرة جبل طارق ارتجت فجأة مثل الهلام، لما ارتاعت لهذا الحد.
رفعت عينيها إلى البروفيسور فالتقتا بعيني البروفيسور المتعاطفتين.
سألته: «هل بإمكانك أن تلومنا عندما أقول لك إني بعد ذلك الأمر، أقسمنا على ألا نتدخل في أي شأن مرة أخرى، إلا إذا كان يتعلق بوحشية تجاه حيوان أو طفل؟»
अज्ञात पृष्ठ