والوجه الآخر: أن الأمرهو الإيجاب، أمر؛ أي أوجب أو ندب خطابا، أو إلزاما لا خاطابا، فالإيجاب والإلزام أوامر. أما المعتزلة فقصروا أمر الله عز وجل على الخطاب الموجود في القرآن وكذلك قالو: من لم يسمع لم يؤمر. وأما الأشعرية فقد ردوه إلى صفة الذات، والمسلمون بين بين، وأثبتوا الأمرين جميعا، وهما الخطاب والإيجاب، وأبطلوا الصفة والذات ولذلك لا يعذرون من لم يسمع كما عذرته المعتزلة.
مسألة
اختلف الناس في المعدوم هل هو مأمور على الحقيقة أم لا؟ قالت القدرية: لا يجوز امر المعدوم لا بشرط وجوده، ولا بغير شرط وجوده/ وقالت الأشعرية:
أمر المعدوم صحيح جائز بشرط وجوده يوما ما أو بشرط وجوده من يبلغه إذا وجد. واستدلوا بظاهر قوله تعالى: { ويا أيها الناس } ، { يا أيها الذين آمنوا } وأمثاله، فلما (¬1) لزمتهم الأسماء لزمتهم الأوامر. فالإنسان الذي يوجد بعد مائة سنة هو إنسان الآن (¬2) ، وأنه صفة (¬3) في ذاته. فالله تعالى آخر (به) (¬4) لم يزل، وناه لم يزل، وقد أمرهم ونهاهم في الأزل كما تقول: علمهم في الأزل وقدر عليهم. وسلك المسلمون طريقا بين بين فوافقوا المعتزلة في خلق الأمر (والنهي) (¬5) واختلفوا معهم في أنه آمر وناه فمنعته القدرية وجوزه المسلمون ووافقوا الأشعرية أن الله تعالى آمر ناه لم يزل، وخلفوهم في أن الأمر والهي صفتان، وخالفوهم أيضا في أ، الله أمرهم ونهاهم لم يزل.فالمسلمون جوزوا على الله تعالى أنه آمر وناه في الأزل/ وأبطلوا أنه أمر ونهي كما جوزوا عليه أنه خالق لم يزل فاعل لم يزل، وأبطلوا خلق وفعل وأمر. وليس الأمر والنهي والخلق والفعل بصفات الله تعالى ألبية، وإنما هي أفعال لا صفات.
فصل
पृष्ठ 69