فصرخ الجميع: اتكلم يا عم الحاج عمران.
فاعتدل الشيخ وتربع جيدا ثم قال: اللي فات مات، وأنتم معذورين قدام الدنيا كلها، ولكن لو خدوا رأيي لكنت أول شيء أحكم على محمد الشادلي بالحرق؛ لأنه هو السبب، على شان لو كان قال للمديرية من السنة اللي فاتت عن شكوتكم ما كنش حصل اللي حصل النهاردة، ولكن كل شيء مقدر واللي مكتوب على الجبين تراه العيون، فأحسن حاجة تنقوا عشر تنفار منكم يسافروا بكرة في المديرية، ويقولوا على المسألة من طأطأ لسلامو عليكم.
وما كاد الشيخ ينتهي من كلامه؛ حتى قدم رجل وقال لهم: يا ويلنا ... يا ويلنا ... إنتم ما سمعتوش الخبر؟
فارتجفت أعضاء المجلس وتطاولت أعناقهم وقالوا كلهم: لأ، خير خير، قول قول! - واحد من الإنجليز اللي ضربناهم مات.
ولما سمعوا كلامه نزلت أعناقهم على صدورهم وسكتوا. فقال عم الحاج عمران: لا حول ولا قوة إلا بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله! كل شيء بإرادته، كل شيء بحكمه.
فصرخ محمد زهران وقال: اتكلم يا حاج عمران، نعمل إيه، قول لنا العمل إيه؟ - المسألة أكبر من الأول، والمصيبة رايحة تنزل على دماغنا كلنا.
وكان لعم الحاج عمران منزلة كبيرة عند أهل بلده؛ فهم يحترمونه ويعتمدون على أفكاره وآرائه، فلما قال جملته الأخيرة اسودت الدنيا في أعينهم، فبكت الرجال، وولولت النساء، وحكموا على أنفسهم بأنهم كانوا غلطانين، وتندموا على ذلك كثيرا، وأعقب هذا الانفعال النفساني سكوت كبير.
وبعد هنيهة تحرك الحاج عمران من مجلسه قليلا ثم تنهد وقال لهم: مافتكرتوشي يا ولادي في النتيجة؟ ليه تعملوا كده ليه؟
فقال محمد المؤذن: نعمل إيه يا عم عمران إزاي؟ بقى لهم خمس سنين بييجو يقتلوا الحمام ويحملوه في زكايب وبعدين نعيش منين؟ أنه عدل يقول كده؟ هم حكام مصر ما فيش في عينهم نظر؟ بكرة لما يسمعوا حكايتنا يرأفوا بحالنا ويبرءوا ساحتنا.
فضحك عم الحاج عمران وقال: اللي بتقوله ده في المنام يا محمد، فين العدل اللي في مصر! إذا كان فيه عدل - زي ما بتقول - كان تهجم على بلدك الإنجليز ويصطادوا حمامكم، ويموتوا نسوانكم، ويحرقوا جرنكم، كان العدل زمان يا ابني زمان. - وتفتكر إيه اللي يعملوه فينا؟ - يعملوا كل شيء يقدروا عليه. - مين هم؟ - الإنجليز. - طيب وحكامنا رايحين يسيبوهم يعملوا فينا اللي عاوزينه؟
अज्ञात पृष्ठ