सुधार और शिक्षा की प्रतिभा: इमाम मुहम्मद अब्दुह
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
शैलियों
وقد نجحت دعاية الشيخ في العاصمة الإنجليزية ورجحت هناك جانب الحزب الذي كان يدعو إلى إخلاء السودان، وتقرر هذا الإخلاء، بل أعدت المعاهدة التي يتفق عليها الطرفان لتسوية هذه القضية، وأوشكت أن تبرم وتوضع موضع التنفيذ لولا ورود الأنباء بموت المهدي واستعداد خلفائه للهجوم على الحدود المصرية.
ولقد جرى هذا الحديث في خريف سنة 1884، ولم يبق من المدة الموقوتة لنفيه غير شهور ، ولكنه سئل عن الخديو توفيق في مطلع الحديث، فلم يبال أن ينحي عليه وأن يصرح برأي الوطنيين فيه، وقال في غير مواربة: «إن توفيق باشا أساء إلينا أبلغ إساءة؛ لأنه مهد لدخولكم بلادنا، ورجل مثله انضم إلى أعدائنا في قتالنا لا نشعر إزاءه بأقل احترام، لكنه إذا ندم على ما فرط منه وعمل على الخلاص منكم، فربما غفرنا له سيئاته ... إننا لا نريد خونة وجوههم مصرية وقلوبهم إنجليزية.»
وتبدو من هذا التصريح القاطع نية البقاء حيث كان خارج القطر لمواصلة الجهاد مع أستاذه؛ لأنه قطع بيده كل أمل له عند صاحب السلطة الشرعية وهو الخديو، وأصحاب السلطة الفعلية وهم المحتلون. •••
على أن الحكيمين قد بقيا معا في القارة الأوروبية زمنا يسيرا، يعملان بين باريس ولندن في مراقبة المسائل الشرقية عند نظرها في دوائر العاصمتين أو الكتابة عنها في الصحف السياسية، وكانا قد اضطرا إلى تعطيل صحيفة العروة الوثقى ولما ينقض على صدورها أكثر من ثمانية شهور خلال سنة (1301 هجرية و1884 ميلادية)، ظهر في أثنائها ثمانية عشر عددا، ثم احتجبت على كره من الأستاذين؛ لأنها صودرت في جميع البلاد الإسلامية، واتفقت على مصادرتها حكومات الدول الأجنبية وحكومات الملوك والأمراء الشرقيين؛ لأنها كانت تحارب الحكم الأجنبي بجميع مساوئه، كما كانت تحارب استبداد الحاكم الوطني وفساد أعوانه ورجاله، وكانت تبدئ القول وتعيد في الإنحاء على رؤساء الأمم المستعبدة من أبنائها؛ لأن استبعاد هذه الأمم إنما يكون بقوة رؤسائها، وربما كان من أسباب تعطيل الصحيفة أنها كانت تتخذ في البلاد التي تصل إليها دليلا على أعضاء الجمعية الذين يتلقون أعدادها ويتولون توزيعها، فحيثما وصلت الأعداد مجموعة إلى جهة من الجهات، فهناك الشبهة فيمن تصل إليه، ومن وراء الشبهة مصادرة الدولة ومتابعة التضييق والإرهاق، حيث لا عاصم من القانون ولا حماية من سلطان الرأي العام المكبوت، إن لم يكن محجوبا عن الأخبار العامة بالكتمان والسكوت.
ولبث جمال الدين قليلا يحاول في عواصم الغرب محاولاته السياسة على خطته المعهودة بغير كبير جدوى، ثم بدا له أن يجرب هذه المحاولات من غير هذه الناحية، فأجمع الرحلة إلى عاصمة القياصرة وهو ينوي أن يستخدم مقامه فيها لأغراض ثلاثة: أولها رفع المظالم عن الرعايا المسلمين وتمكينهم من حريتهم الدينية على قدر المستطاع، والغرض الثاني أن يكف من عداوة الدولة الروسية التقليدية لدولة الخلافة، ويرجو ألا يقع منها عدوان جديد في أثناء مقامه بعاصمته، والغرض الثالث هو الانتفاع بالمنافسة القديمة بين الروس والإنجليز في تحريك المسائل الشرقية بجملتها، ولا سيما مسائل الأمم التي على طريق الهند من مصر إلى فارس إلى بلاده الأفغانية.
أما الشيخ محمد عبده، فقد عاد إلى بيروت وهو يزداد إيمانا بعقم المحاولات السياسية، وضعف الأمل في الملوك والأمراء، ووجوب التعويل بعد هذه المحاولات العقيمة على الأمم دون غيرها، وحصر الأمل كله في إعداد هذه الأمم للنهضة والمقاومة بعدة العلم الصحيح والتربية الاجتماعية الصالحة، وقد أبرأ ذمته وأعطى سياسة أستاذه كل حقها من الرعاية والإخلاص، ولكنه اتخذ من الأرزاء التي ابتلي بها أستاذه على أيدي الأمراء والملوك حجة جديدة على ضعف الأمل فيهم، ووجوب التحول بالجهود إلى أممهم، فقد شهر به خديو مصر ونفاه، وعذبه شاه إيران وأهانه وطرده من بلاده على شر حال، وخيب راجوات الهند رجاءه وأعرضوا عنه مجاملة للسادة المستعمرين، واعتقله السلطان العثماني في قفص من الذهب كما قال بعض المعجبين به من المستشرقين، ولم يبق أمامهما أحد غير هؤلاء ينوطان به الرجاء ويشدان إليه الرحال، فمن صيانة الجهد عن الضياع أن يتوقف هذا الجهد من هذا الجانب وينصرف إلى ما هو أصلح وأجدى.
وظل الشيخ محمد عبده على هذا الرأي يزداد إيمانا به يوما بعد يوم، ويضيف إليه من تجاربه مع الأمراء والرؤساء كل يوم ما يعززه تعزيزا لا سبيل فيه إلى الشك عنده، وقد كان يقول لتلاميذه الفقهاء والأدباء من أمثال العالم الديني السيد رشيد رضا، والشاعر الوطني حافظ إبراهيم: إن السياسة ضيعت علينا أضعاف ما أفادتنا، و«إن السيد جمال الدين كان صاحب اقتدار عجيب لو صرفه ووجهه للتعليم والتربية لأفاد الإسلام أكبر فائدة، وقد عرضت عليه حين كنا في باريس أن نترك السياسة ونذهب إلى مكان بعيد عن مراقبة الحكومات، ونعلم ونربي من نختار من التلاميذ على مشربنا، فلا تمضي عشر سنين إلا ويكون عندنا عدد من التلاميذ الذين يتبعونا في ترك أوطانهم، والسير في الأرض لنشر الإصلاح المطلوب، فينتشر أحسن الانتشار، فقال: إنما أنت مثبط». •••
وأراد التلميذ الوفي بعد عودته إلى القاهرة واستقرار أستاذه بالآستانة أن يعاود الكرة، ويتلطف في الإشارة إلى السيد بما تقضي به الحيطة في مقره المضطرب بين دسائس الحاشية المتربصين، ومكائد الحساد المنافسين، وغدرات الوزراء والسلاطين ... فجاءه الرد عنيفا غاية العنف من السيد يقول فيه: إنك «تكتب لي ولا تمضي، وتعقد الألغاز ... من أعدائي؟ وما الكلاب كثرت أو قلت؟ ... فكن فيلسوفا يرى العالم ألعوبة، ولا تكن صبيا هلوعا».
ثم يقول عن رسالة أخرى: «إن الرسالة ما وصلت، ولا بينت لنا موضعها وجلا منك، قوى الله قلبك.»
وقد أمسك الشيخ محمد عبده بعد ذلك عن الكتابة إلى السيد في الآستانة؛ لأن الرسائل لا تصل أحيانا، وما يصل منها في القليل من الأحايين تراقبه الشرطة وترفع خبره إلى المراجع العليا، ولا حيلة في صراحة القول مع ضررها المحقق بالمرسل إليه دون المرسل، ولا حيلة كذلك في التورية؛ لأن السيد على عادته من الجرأة البالغة يحسبها هلعا صبيانيا، ويؤنب الكاتب عليها ذلك التأنيب الحكيم.
अज्ञात पृष्ठ