सुधार और शिक्षा की प्रतिभा: इमाम मुहम्मद अब्दुह
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
शैलियों
وسمعت من زعيمين عاصراه وعاشراه كلاما كالذي قاله قاسم في تأبينه، وذكر فيه وعده بالكف عن الجهد فيما يحاول من السعي العقيم والكفاح المقعد المقيم، ثم عودته بعد قليل إلى مثل ما كان فيه، بل أشد مما كان فيه ... وأحد الزعيمين كانت له عليه جرأة الصديق الند وهو الزعيم سعد زغلول، والآخر كان منه بمثابة الأخ الصغير في بعض أعمال الإصلاح وأعمال الخير والإحسان، وكان أولهما يصرف صرفا عن بعض محاولاته التي كانت ديدنه الشاغل له في أخريات عمله بوظيفة الإفتاء، فقال له من حوار مطول لا نثبته هنا بتفصيلاته: «أخشى أن يفسدك هؤلاء القوم قبل أن تصلحهم ...» وكان الآخر - محمد محمود رحمه الله - يعيد عليه قوله مشيرا إلى الخديو عباس الثاني: «إن هذا «القولي» يريد أن يقتلك، فلا تمكنه من بغيته.» ويريد بالقولي نسبة الخديو عباس إلى «قولة» موطن جده محمد علي الكبير.
وموضع النظر في كلام قاسم وصاحبيه أن الإصلاح لم يكن في حياة هذا المصلح الغيور عملا من أعمال الإرادة، يدبره لنفسه كتدبير المرء لما ينفعه ويريحه أو يعفيه من التعب والمشقة، ولكنه كان باعثا نفسانيا مستحكما في ذلك القلب الكبير، يغلبه على إرادته ويخلق له إرادة نوع كامل في بنية إنسان واحد، وإن يكن من أعظم بني الإنسان ... وذلك ما عناه قاسم بشغف العاشق بما يؤلمه ويضنيه، وعنيناه بالعبقرية المطبوعة التي تلخصها كلمة «النخوة»، وتدل سيرته وسيرة أهله على أنها خليقة موروثة فيه، وأنها أقوى بواعثه إلى رسالة حياته، وهي رسالة التعليم.
ولنا أن نقول: إن النخوة الإنسانية في نطاقها الواسع هي محور هذه الحياة في نواحيها الكثيرة، وإن رسالة التعليم عنده إنما كانت في صميمها رسالة خلقية قبل أن تتجه إلى وجهتها الفكرية، فلم يكن يعنيه أن يعلم لينقل إلى الناس «معلومات» يجهلونها وكفى، ولكنه كان يعلم ليحفز الناس إلى عمل يتوانون عنه، ويحملهم على خلق يحبب إليهم ذلك العمل ويساعدهم عليه.
ولعلنا لم نخطئ إذ بدأنا السير كلها بهذا التمهيد عن هذه العبقرية من ناحيتيها الخلقية والفكرية، فإنها بمثابة الأساس الذي تقوم عليه حوادث الترجمة منذ بدأ الأستاذ الإمام حياته العاملة في نحو العشرين، إلى أن فارق الحياة في نحو السادسة والخمسين، فأيما حادث تردد فيه رأي المؤرخ وحكم الناقد، فإنما تقوم أصالته في هذه الحياة بمقدار ثبوته على ذلك الأساس.
الفصل السابع
مع جمال الدين
كان لقاء السيد جمال الدين الأفغاني أهم حادث في تربية الفتى الناشئ محمد عبده؛ لأنه رده إلى سجيته وأقامه على جادة العلم والعمل التي استقام عليها بعد ذلك طول حياته، واستقل بها حسب استعداده وفطرته حتى استقل بها آخر الأمر عن طريق أستاذه، بعد أن فرقتهما الحوادث اضطرارا، ووجب أن يعمل كل منهما على جادته ومنهاجه.
كان الفتى الناشئ (محمد عبده) قبل لقاء جمال الدين أشبه شيء بالطائر المغمى عليه قبل امتحان المدربين له في ضوء النهار، للتثبت من سلوك مطاره إلى غايته القصوى.
ويقال إن هذا الطائر لا يزال بعد خروجه من الظلام يتلمس طريقه ارتفاعا وانحدارا، ويستقبل الوجهة ثم ينحرف عنها حتى ينطلق من حيرته على ثقة، فيعتدل إلى الغاية التي ينويها، فلا حيرة بعد ذلك ولا إحجام عن تلك الغاية إلى أقصاها.
وكذلك كان محمد عبده بين الحيرة والإحجام قبل التقائه بجمال الدين؛ صدمته الحياة العامة كما يصدم بها كل شاب يخرج من معيشته في الأسرة على المودة والعطف إلى معيشة الكفاح بين الناس على سنتها من الرياء والأثرة وتنازع البقاء، وكان يشكو هذا الحال إلى شيخه القروي من أخوال أبيه كما قال في ترجمته: «فذكرت له اشمئزازي من الناس وزهادتي في معاشرتهم وثقلهم على نفسي إذا لقيتهم، وبعدهم عن الحق ونفرتهم منه إذا عرض عليهم، فقال لي: هذا من أقوى الدواعي إلى ما حثثتك عليه، فلو كانوا جميعا هداة مهديين لما كانوا في حاجة إليك. ثم أخذ يستصحبني في مجالس العامة ويفتح الكلام في الشئون المختلفة ويوجه إلي الخطاب لأتكلم، فيتكلم الحاضرون فأجيبهم، وأنطلق في القول على وجل في الأمر، وما زال بي حتى وجد عندي شيئا من الألفة مع الناس والاستئناس بمكالمتهم، وفي شوال من تلك السنة ودعني وبكى بكاء شديدا ومات في السنة التالية.»
अज्ञात पृष्ठ