बुरहान फ़ी वुजूह बयान
البرهان في وجوه البيان
शैलियों
وأما كاتب التدبير فهو ويزر السلطان، وأخص أصحابه به، ولولا الرعية لم يكن سلطان ولولا العامة لم تعرف الخاصة، ومنزلة السلطان من رعيته كمنزلة الروح من جسدها الذي لا حياة له إلا بها، ومنزلة الرعية منه كمنزلة الجسد الذي لا يظهر للروح عمل إلا فيه، فحاجة الرعية إلى صلاح سلطانها كحاجة الجسم إلى بقاء روحه، وحاجة السلطان إلى إصلاح رعيته كحاجة الروح إلى صحة جسدها، والدين والسلطان مربوطان كل واحد منهما بصاحبه، فلولا ما أمر به الدين من طاعة السلطان لكان أمره واهيا، ولولا ما عليه السلطان من أخذ الناس بشرائع الدين لكان الدين متروكا، فمتى دخل الدين خلل وهي من السلطان بقدره، ومتى عرض من السلطان وهن ضاع من الدين بحسبه، وكذلك قال أردشير في عهده: اعلموا أن الملك والدين أخوان توأمان لا بقاء لاحدهما إلا بصاحبه، فالدين أس والملك حارس إلى آخر الكلام. وليس يكون السلطان عزيزا إلا بالأعوان، ولا تستقيم طاعة الأعوان إلا بالكفاية، وإلا كانوا مسلطين أو مسخرين، والضرر بهذين الصنفين أكثر من النفع، ولا يتهيأ أن يكفوا إلا بالأموال، ولا تكثر الأموال وترخوا إلا بعمارة البلدان ولا تعمر البلدان إلا بالعدل، ولا يكون العدل تاما حتى تكون نية السلطان في صلاح رعيته كنيته في صلاح جسده، بل يكون في بعض أحواله مؤثرا لصلاحها على صلاحه، فقد قال أردشير. "وقد كان من الملوك قبلها: من كان صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده، "ومن أولى ما ينظر السلطان فيه اختيار الوزير الصالح # فإن أعماله واسعة، وأشغاله كثيرة، ومتى أراد مباشرة جميعها بنفسه أوضاع أكثرها، فقد قيل: إذا ألزم الراعي نفسه مباشرة ما ينبغي أن يفرضه إلى الكفاءة، وفوض ما ينبغي أن يباشره بنفسه إلى غيره ضاع أمره، والسلطان يزيد برأي وزيره استبصارا كما يزيد المصباح بالدهن ضياء، وإنما يظفر للسلطان من الراحة واللذة والأمن والاستبانة بمقدار ما يظفر به من الوزير الصالح، ولو لم يكن في البيان عن الحاجة إلى الوزير الصالح إلا قول موسى - عليه السلام - وهو نبي، ويكلمه الله - عز وجل - وحيه، ولو استغنى أحد عمن يؤازره لا يستغني هو لموضعه من ربه: {واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا}. وليس ينبغي للسلطان أن يختار من الوزراء إلا الذي يجمع مع الصلاح أدبا وحكمه، ومع العقل تجربة وحنكة ومن يجري على عرق في الخير معروف، وديدن في ذلك من آبائه مألوف، وأن يكون من بيت رياسة، فإن ذلك مما يعنيه على صحة السياسة، لأن العروق عليها ينبت الشجر، وقل أصل طاب إلا طاب فرعه. فإن اتفق له من يجمع الفهم والدراية بنفسه، وينزع إلى رياسة في أصله، فقد تم له ما يريده، وإلا طلب من يجتمع له العقل والدراية، ولا عليه ألا يكون من أصل شريف، ونسب معروف، فإنه قد يكون الإنسان بفضله نسبا لمن بعده من أهله، ويكون آخر شين أصله فضيحة لمن ساد من أهله، وأن يكون من ذوي المودة للسلطان والاعتقاد لولايته، ومن لا يذيع له سرا، ولا يحابي في رأي يراه صوابا له أحدا، فإذا وجد ذلك فوض إليه، واعتمد عليه. وينبغي للوزير أن يعلم أن الله - عز وجل - # قد أعطاه منزلة لم يعطها أحدا بعد السلطان غيره، فيقابل نعمة الله عنده في ذلك بما يستحقه من الشكر عليها، وتأدية الأمانة فيها إلى أهلها، فإنه يجمع بذلك الفوز عند الله - عز وجل -، والذكر الجميل في العاقبة، وإن كان ممن [لا] يعتقد إمامة من سلطانه، ويرى أنه غاصب على ما في يده، فليس اعتقاده ذلك مما يطلق له غشه، ولا يرخص له في ترك نصحه لأحوال منها:
पृष्ठ 329