2
العرش عن شد ما في الفارس بسمارك من طموح فطري، ولم تلبث أن جعلت منه نصيرا للملك سيرا مع أصله، فصار يسره أن يدعو ذلك بالشعور الإقطاعي فيما بعد.
وكان ذلك الشعور الذي تعهده بعدئذ في سبيل خططه متأصلا فيه منذ زمن ، ويسر إلى زوجه قوله بأسلوب غريب: «إذن، لا تتكلمي عن الملك باستخفاف، فكلانا يميل إلى التيهان في هذا الميدان، وعلينا ألا نحدث عنه بقحة كما علينا ألا نحدث عن آلينا، وهو إذا ما اقترف خطأ وجب علينا أن نذكر أننا أقسمنا يمين الولاء والطاعة لدمه ولحمه.» ولا تجد لجدية هذا الإنذار مثيلا في أي واحد من كتبه الأخرى، فهو يفرض على زوجه تمجيد مليكه فرضها عليه تمجيد ربها، وهو يتمسك بعقيدته مدى حياته تمسكها بعقيدتها، وتغلي ذكريات أجداده القديمة في دمه من جديد، ويتحدى أجداده ملوكهم، ولم يحدث أن مكروا
3
بهم مرة واحدة مع ذلك، وفيما هو يشبه بالملوك أجداده الذين لا يرى لغيره حق التكلم عنهم بارتياب تراه يتطلع إلى الأسرة الكبرى في المرتقى على حين يعيش باقي الشعب في الأدنى. واليوم لا يتطلب هذا الوضع الملائم لخططه والخليق بطبقته أية تضحية من عزته، وهو لا يزال حرا في اختيار حزبه أو في تبديله ما ظل محل تودد وما بقي ناقدا وما عطل من أية مسئولية، والويل لخيلائه إذا ما غدا ذات يوم مرشدا قائدا للملك تابعا له في حين واحد!
والآن تأخذ المعضلة ذات الحدين حكمها، ويود النائب الشاب نيل مقعد في المجلس بأي ثمن كان، وإلا فأين يعرض قوته وذكاءه؟ فإذا أراد انعقاد المجلس في دورات سنوية وجب عليه أن يصوت مع من يمقتهم من الأحرار، وماذا يصنع إذن؟ إن من مخادعة الملك ضغطه في هذا السبيل؛ ولذا رأى بسمارك تعليق المسألة، ويبحث في معضلة اليهود فيفضل بسمارك أن يتغيب لما بينه وبين الحكومة من اختلاف في ذلك، ويبدو مع ذلك وهو لما كان من ظهوره رئيسا لأقصى اليمين من بعض الوجوه يتكلم ضد «الهراء الإنساني المزعج» الصادر عن أصحاب الشمال والقائل بمساواة جميع رعايا الملك.
ويقول بعنجهية:
4 «لست عدوا لليهود، وهم لو كانوا أعدائي لعفوت عنهم، حتى إنني أحبهم بتحفظ، حتى إنني أمنحهم جميع الحقوق، خلا ممارسة المناصب الكبيرة في دولة نصرانية. وليست عناية الله كلمة فارغة عندي، ولا أستطيع أن أعد غير ما أوحي به في الإنجيل معبرا عن إرادة الله، ونحن إذا ما جردنا الدولة من أساسها الديني لم يبق لنا منها سوى مجموعة من الحقوق، سوى حصن ضد حرب الجميع للجميع. وفي دولة كتلك لا أرى كيف يناقش في مبادئ كمبادئ الشيوعيين حول مخالفة التملك للأدب؛ ولهذا السبب يجب ألا نعتدي على نصرانية الشعب.»
تلك هي لهجة الملوك والوزراء المطلقين، ولو عبر جد بسمارك - منكن - عن نفسه على ذلك الوجه ما وجد لوما من ملوكه، ولو لم يرب الشيخ منكن ابنته وفق مبادئ التقدم ما حاولت هذه الابنة أن تنقل هذه المبادئ إلى ابنها، ومن المحتمل أن يصير بسمارك الشاب من الأحرار خلافا لأمه غير المحبوبة لديه لو تلقت هذه الأم من أبيها مبادئ رجعية، والذي لا مراء فيه أن كان ذلك الرجل، الذي يحسد ميرابو وبيل في فتائه والذي يعتريه وجد من شعر بايرون، ويعجب بإنكلترة في شبابه، يقتحم بتربيته وارتيابه الطبيعي فروق العروق أكثر من اقتحامه فروق الطبقات، وهو عندما جهر بالفروق الطبقية للمرة الأولى مؤكدا لم يكن متأثرا بالبياتية ما دامت البياتية غير ذات أثر في سياسته الحاضرة والقادمة، ومن الممكن مع ذلك أن يكون قد صنع ذلك مراعاة للبياتيين، وآية ذلك أنه دافع قبل سنة عن مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة خلافا للرئيس فون غرلاخ، فسره اليوم أن يسر زمرة البياتيين، ولم يحسب حساب اليسوعية في ذلك، وإنما فعل عن لا شعور تقريبا ما يقرب به بين معتقداته وغاياته، شأن العاشقين اللذين يبحث كل منهما عن الآخر فيكون من الطبيعي أن يلتقيا؛ فالحق أن أوتوفون بسمارك كان قطبا سياسيا.
وبعد خمس دقائق يدعو طبقات المجتمع الدنيا إلى الشهادة فيقول: «إذا ما تصورت أنني ملزم بالإطاعة ليهودي، ممثلا لصاحب الجلالة المقدسة الملك، وجدتني مرهقا مهانا في أعماق نفسي، وأشاطر هذا الشعور أدنى طبقات الشعب ولا أخجل من أن أكون بجانبها في ذلك.» ولكنه لم يرد قط أن يطيع أحدا من ممثلي الملك - يهوديا كان أو نصرانيا - ولم يفعل غير قسر قدرته الحيوية عندما رأى نفسه ملزمة بإطاعة الملك ذاته حين تمثيله له.
अज्ञात पृष्ठ