बिला क़्यूद
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
शैलियों
رأى ريتشارد رانجهام في كتابه «إشعال النار» أن اختراع الطهو كان مسئولا في الأساس عن أغلب الإنجازات التطورية التي أدت إلى ظهور الإنسان الحديث، ومنها العمليات التي وصل بها مخ الإنسان الحديث لحجمه الكبير الحالي. وصف رانجهام على الأقل خمس مزايا مهمة للطعام المطهو الذي كان يتناوله البشر الناشئون وحدهم على الطعام النيئ الذي كان يتناوله أشباه البشر الأوائل وكل الحيوانات الأخرى.
فأولا: طهو لحم الحيوان يحلل الكولاجين الليفي في خلايا العضلات، محولا إياه إلى الجيلاتين الغني بالبروتين الذي يحتاج وقتا وطاقة أقل كثيرا في هضمه.
وثانيا: يؤدي الطهو إلى تطهير اللحم ويجعله صالحا للأكل. وقد جادل بعض اختصاصيي علم الإنسان بأن أشباه البشر الأوائل كانوا يحصلون على كثير من اللحوم التي في غذائهم بالاقتيات على جثث ضوار أكبر حجما مثل الأسود والنمور. لكن الجيفة، خاصة في المناطق المدارية، سريعا ما تنتشر فيها البكتيريا الضارة، وقردة ما قبل التاريخ الذين كانوا أسلاف أشباه البشر الأوائل، بأمعائهم الغليظة المخصصة لعملية الهضم البطيئة المضنية للأوراق وغيرها من الأغذية النباتية الخشنة، كانت ستصير أكثر عرضة لتأثير الأمراض المنقولة بالغذاء. أما قردة الشمبانزي التي تتناول بالفعل لحما طازجا فستتحاشى اللحم الذي بدأ يتحلل وتنبذه.
العدوى البكتيرية بالعوامل الممرضة مثل التسمم السجقي والجمرة الخبيثة والسالمونيلا والإشريكية القولونية وكذلك بالفطريات والفيروسات، لا بد أنها سببت مرضا ووفاة حتى بين أقوى الأفراد؛ حيث إن هذه الكائنات كانت تتضاعف في الأمعاء الطويلة لقردة ما قبل التاريخ لمستويات خطيرة وقد تكون مهلكة، لكن الطهو يقضي على الطفيليات والعوامل الممرضة التي تتضاعف سريعا في جيفة الحيوان خلال ساعات قليلة من نفوقه، كما يتيح الأثر التعقيمي للطهو حفظ اللحم المطهو لفترات أطول كثيرا من اللحم النيئ. كان الطهو سيحافظ على غنائم الصيد في حالة قابلة للأكل لفترات أطول كثيرا؛ مما يجعل من الممكن لمجموعة من أشباه البشر التغذي على بقايا حيوان صيد كبير لعدة أيام.
ثالثا: طهو الأغذية النباتية يحلل جدران خلايا النباتات ويحول السيليولوز غير القابل للهضم إلى نشويات وسكريات قابلة للهضم. في الواقع، الكثير من الأغذية النباتية التي اعتمد عليها أشباه البشر - خاصة الجذور والدرنات التي كانوا يستطيعون استخراجها من الأرض بعصي الحفر - كانت تحتوي على سموم ليست فقط غير مستساغة، وإنما غير قابلة للهضم فعلا في أحيان كثيرة. والطهو يفتت هذه السموم ويؤدي إلى التخلص منها؛ مما يتيح مجموعة كاملة من الأغذية النباتية للاستهلاك البشري كانت لتصير مستبعدة لولا ذلك، بل في الواقع وجدت التجارب التي أجريت على قردة الشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب أن القردة العليا بوجه عام تفضل تناول خضرواتها مطهوة عن تناولها نيئة.
12
رابعا: يتطلب الطعام المطهو وقتا أقل بدرجة كبيرة في المضغ عن الطعام النيئ ؛ إذ يستلزم نظام الغذاء النيئ لدى قردة الشمبانزي مضغ الطعام لساعات دون توقف، بل إنه وفقا للتقديرات تمضي قردة الشمبانزي نحو 50 بالمائة تقريبا من ساعات صحوها في مضغ طعامها فقط. على النقيض، يقضي البشر نحو خمسة بالمائة من ساعات صحوهم في المضغ - واحد على عشرة فقط من وقت الشمبانزي - وبناء على هذا، يستطيع البشر أن يكرسوا وقتا أكبر بكثير من ساعات صحوهم لأغراض أخرى، منها الصيد، وصناعة الأدوات والأسلحة، وتشارك المعلومات مع أفراد آخرين في الجماعة.
خامسا: والأهم: اختراع الطهو جعل بالفعل من الممكن للدماغ البشري أن يكبر حجما على نحو استثنائي خلال عصر البشر الناشئين؛ فبينما يبلغ متوسط حجم دماغ الشمبانزي 400 سنتيمتر مكعب ومتوسط حجم دماغ أشباه البشر الأوائل نحو 500 سنتيمتر مكعب، فقد تضاعف دماغ أشباه البشر ثلاث مرات خلال الميلوني عام الماضيين، ويتراوح الآن في المتوسط بين 1300 و1500 سنتيمتر مكعب. من دون هذا الدماغ الكبير، لم يكن ليتاح لإنسان العصر الحديث أن يبتكر ما تفرد به من لغة وثقافة وقدرات تقنية تمكن منها في النهاية. وقد حقق البشر الناشئون أكبر جزء من هذه الزيادة الكبيرة في حجم دماغ أشباه البشر.
لم يعثر قط على أي مجتمع بشري معروف يعتمد تماما على نظام غذاء من الطعام النيئ، مهما كان بدائيا أو غير متطور تقنيا، حتى الناس الذين يتبعون حمية الطعام النيئ في المجتمع الحديث لا بد أن يقضوا وقتا طويلا للغاية في مضغ طعامهم، وتعوزهم الطاقة، ويفقدون من أوزانهم، ويشعرون بالجوع طوال الوقت تقريبا.
13
अज्ञात पृष्ठ