बिला क़्यूद
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
शैलियों
شكر وتقدير
مقدمة
1 - منطلق الرئيسيات
2 - تقنية الحراب وعصي الحفر
3 - تقنية النار
4 - تقنيات الملبس والمسكن
5 - تقنية التواصل الرمزي
6 - تقنية الزراعة
7 - تقنيات التفاعل
8 - تقنية الآلات الدقيقة
अज्ञात पृष्ठ
9 - تقنية المعلومات الرقمية
10 - عالمنا على حافة الهاوية
ملاحظات
المراجع
شكر وتقدير
مقدمة
1 - منطلق الرئيسيات
2 - تقنية الحراب وعصي الحفر
3 - تقنية النار
4 - تقنيات الملبس والمسكن
अज्ञात पृष्ठ
5 - تقنية التواصل الرمزي
6 - تقنية الزراعة
7 - تقنيات التفاعل
8 - تقنية الآلات الدقيقة
9 - تقنية المعلومات الرقمية
10 - عالمنا على حافة الهاوية
ملاحظات
المراجع
بلا قيود
بلا قيود
अज्ञात पृष्ठ
تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
تأليف
ريتشارد إل كوريير
ترجمة
دينا عادل غراب
مراجعة
هاني فتحي سليمان
شكر وتقدير
أود أن أعبر عن خالص امتناني لمن ساهموا بطرق ملموسة في إتمام هذا الكتاب بنجاح.
في مرحلة مبكرة من عملية وضع مخطوط الكتاب، ساعدني زملائي من اختصاصيي علم الإنسان، جاك إم بوتر وروبرت بيتس جرابر وريتشارد روبينز وآنك سانكيان، بنصائحهم المفيدة ودعمهم السخي، وهو الأمر الذي أعانني كثيرا في العثور على ناشر جيد. كذلك ثابر ابني جاي كوريير على قراءة مسودة أولية للكتاب ورد بملاحظات غزيرة. علاوة على ذلك، واظب كل من ابني تشاد كوريير وابنتي ريبيكا ماير على تشجيعي على مدار الشهور الطويلة التي قضيتها في كتابة المخطوط، كما ساعدني زوج ابنتي كريستوفر ماير في إنقاذ ملفاتي العزيزة من أن تصير في طي النسيان حين أصاب العطب القرص الصلب في كمبيوتري الشخصي. أما أصدقائي، ريتشارد فولي وأليشا لارسون وتيري لي وايلدر، فقد قرءوا أول مسودة كاملة، وأعطوني ملاحظات مفيدة وفي حينها.
अज्ञात पृष्ठ
كذلك تكرم علي الكثير من الأفراد والمؤسسات بالسماح لي بإعادة طباعة العديد من أفضل الأشكال في هذا الكتاب، ومنهم فرانس لانتينج وجون ريدر وريتشارد داتون ومايك ستوري، ومجلة «جورنال أوف هيومان إفوليوشن» التي تصدر عن دار نشر إلسيفير، وشركة سكالديجيري، وبرنامج آفاق العلم في جامعة كانتربري في نيوزلاندا، ومركز فلوريدا للتقنية التعليمية، وموقع التحديد المختبري للأمراض الطفيلية التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
وأتقدم بخالص الشكر إلى ثلاثة أشخاص متميزين، ربما ما كان هذا الكتاب سيرى النور لولاهم . وهم وكيلي روجر ويليامز، الذي لم يشك قط في إمكانية إنجاز مشروع هذا الكتاب، ولم تهتز ثقته ولا حماسته حيال مستقبله بتاتا، وظل يعمل بلا كلل لضمان الحصول على عقد جيد مع ناشر ممتاز. ومحرري كال باركسديل، وقراءته المتروية للمخطوط الأخير، واقتراحاته التحريرية القيمة المتعددة، ودوره المحوري في الوصول إلى العنوان النهائي للكتاب؛ فكل هذا جعل هذا الكتاب أفضل كثيرا عما كان سيصبح من دونه. وأخيرا شريكة حياتي كارا إل كيث، التي لا يمكنني أن أوفيها حقها من التقدير لإسهاماتها الجبارة في هذا الكتاب؛ فقد قرأت المخطوط كاملا عدة مرات - بعين محرر دقيق الملاحظة، وبحساسيتها التي لا تعرف تساهلا إزاء أي شيء غير ضروري أو غير منطقي - وشاركت بطرق لا تحصى في جعل كل فصل محددا وواضحا. كذلك كانت ثقتها اللانهائية هي التي ترفع معنوياتي حين تتأزم الأمور، وهي التي أدين لحكمتها وحبها ودعمها بالفضل الأكبر.
مقدمة
تمر كل الحقائق بثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى تقابل بالسخرية، وفي المرحلة الثانية تعارض معارضة عنيفة، وفي المرحلة الثالثة تقبل كأنها بدهية.
مجهول
1
منذ خمسة وستين مليون عام اصطدم بكوكب الأرض قبالة ساحل جنوب المكسيك كويكب يفوق عرضه ستة أميال، ويطير بسرعة 67 ألف ميل في الساعة، بقوة تفوق قوة القنبلة الذرية التي أسقطت على هيروشيما بخمسمائة مليون مرة. وقد أسفر هذا الحدث عن اختلالات رئيسية في مناخ الأرض، مؤديا في النهاية إلى كارثة بيئية نتج عنها انقراض الديناصورات و75 بالمائة من كل الأنواع الحية على وجه الأرض.
وإننا الآن في خضم عملية انقراض جماعي آخر للنباتات والحيوانات ناتجة عن النشاط البشري، وقد تصبح في النهاية فتاكة، شأنها في ذلك شأن حالات الانقراض الجماعي الخمس التي وقعت في التاريخ الجيولوجي للأرض. ويعتقد أغلب علماء الأحياء أن أكثر من نصف الأشياء الحية ستنقرض خلال القرن أو القرنين القادمين، مع تبعات مجهولة على المستقبل والعدد المتناقص من الأنواع التي ستظل حية.
لم نعد نحن البشر نوعا من الصيادين وجامعي الثمار البسطاء الذين يعيشون داخل حدود عالم طبيعي مستقر، وإنما صرنا بعد تحررنا من الكثير من عقباتنا الطبيعية بفضل التقدم التقني المستمر، سادة الغلاف الحيوي المحررين من القيود.
على مدار الخمسة ملايين سنة السابقة، غيرت ثماني تقنيات العلاقة بين الجنس البشري والبيئة الطبيعية تغييرا بالغا، محررة إيانا من قوى الطبيعة التي تحد حريات كل مجموعات الكائنات الحية الأخرى. وتدريجيا أحدثت كل من هذه التقنيات تحولا أو انسلاخا كبيرا في حياة البشر والمجتمع؛ فطورت هذه التحولات بنية أجسادنا، ووسعت قدرات عقولنا، وأثمرت عن مجتمعات بشرية ليس لها مثيل في حجمها وقوتها.
अज्ञात पृष्ठ
سيطر الجنس البشري في العصر الحديث على جميع بيئات الأرض الطبيعية تقريبا، وأحدث تحولا جوهريا في الكوكب بأسره ليصبح وحدة إنتاج هائلة من أجل منفعته وحده. وأثناء هذا استولى الجنس البشري حديث التحرر من قيوده على جزء كبير من البيئة الطبيعية، ولوث تربة الأرض ومحيطاتها وغلافها الجوي، وجعل عالمنا على حافة كارثة.
يتفرد الجنس البشري بين كل كائنات الأرض في قدرته على الاستيعاب والتخطيط للمدى الطويل، إلا أننا ما زلنا نتحرك مدفوعين بغرائز حيوانية قديمة، من بينها التوسع والتكاثر لأقصى حد ممكن. أما الكائنات الأخرى فهي محدودة في قدرتها على التكاثر بطبيعة علاقتها الثابتة نسبيا مع البيئة، لكن التكنولوجيا جعلت استمرارية تكاثرنا أمرا ممكنا من خلال تمكيننا من الفرار من قيود قدرنا الحيوي، حتى بعد أن جعلنا العالم قاب قوسين أو أدنى من مستقبل مبهم وربما كارثي.
منذ خمسة ملايين سنة شجعنا استخدام أسلافنا الشبيهين بالقرود الحراب المصنوعة وعصي الحفر على الوقوف والسير والركض ونحن منتصبو القامة. أثمر هذا التطور في النهاية عن إعادة هيكلة جذرية في تشريح الثدييات حررت القوائم الأمامية من مسئوليات الحركة. استطاع أسلافنا باستخدام قوائمهم الأمامية القوية وأياديهم الماهرة أن يسيطروا على النار ويصمموا الملابس ويشيدوا المساكن. وحررتنا هذه التقنيات من الحاجة للعيش في البيئات المدارية حيث نشأنا، وسمحت لنا بأن نسكن المناطق المعتدلة الشاسعة في أوروبا وآسيا.
منذ مائة ألف عام أو أكثر حين بدأنا استخدام الرموز اللفظية والمرئية للتواصل، حررنا أنفسنا من حدود التجربة الشخصية المباشرة، واكتسبنا القدرة على مشاركة المعلومات عبر الزمان والمكان؛ ما مكننا من تجميع معرفتنا مع الآخرين وتنمية الثقافات التي توارثتها الأجيال في تراث شفهي من الأغاني والحكايات والأساطير.
منذ عشرة آلاف عام حررتنا تقنية الزراعة من البحث الدائم عن الغذاء الذي يشغل اهتمام كل الأنواع الحيوانية الأخرى. وفي أثناء ذلك لم نعد مجبرين على التجوال بلا نهاية، الذي طالما كان مصيرنا حين كنا صيادين وجامعي ثمار؛ فبدأنا نزرع غذاءنا، ونعيش في قرى، ونكدس كلا من الثروة المادية والمعرفة والحكمة التي أورثناها إلى نسلنا.
منذ خمسة آلاف سنة خلت اخترعنا تقنيات جديدة قوية للنقل والاتصال، شملت هذه التقنيات سفنا كبيرة عابرة للبحار، وعربات تجرها الدواب، وأشكالا من الكتابة مكنتنا من تدوين المعلومات للأجيال القادمة ومن التواصل مع الآخرين عبر مسافات بعيدة. أتاحت لنا تقنيات التواصل هذه بناء المدن وتكوين الحضارات، واستحداث أشكال متزايدة التطور من الفن والعلوم والتجارة والحروب والدين التي سرعان ما رفعت البشرية إلى موقع جديد من التفوق على كل أشكال الحياة الأخرى.
منذ خمسمائة سنة عتقتنا الآلات الدقيقة من ساعات وسدسيات وبوصلات ومجاهر وتلسكوبات من قيود أعضائنا الحسية المجردة، ومنذ أكثر من مائتي عام بقليل حررتنا تقنية المحركات المترددة من اعتمادنا القديم على القوة البدنية للجسد الإنساني ولدوابنا؛ ونتيجة لهذا أخضعنا العالم بقوى العلم وآلات الصناعة، وأنشأنا أمما واسعة حيث يعيش ملايين الناس ويعملون معا بوصفهم أعضاء في مجتمع إنساني واحد.
ويجرى الآن تحول ثامن تقود إليه تقنية المعلومات الرقمية المهمة، التي جعلت من الممكن لكل البشر التزاور والاتصال بعضهم ببعض في أي مكان على وجه الأرض؛ وهو ما مكننا من إقامة ثقافة ومجتمع عالميين يتخطيان الحدود القومية. سيكون التحدي الذي سيواجه البشرية هو تبني هذه الحضارة العالمية دون التضحية، سواء بالحريات الشخصية أو الهويات العرقية التي نحتاجها جميعا لتحقيق أهدافنا في الحياة والانتماء إلى شيء أكبر من أنفسنا.
لكن قبل أن نبدأ القصة المهمة عن كيفية تحرير التقنية للبشر من قيود أصولهم البدائية ، أود تعريف أربعة مفاهيم أساسية استخدمتها في هذا الكتاب بطرق خارجة عن المألوف قليلا، وتوضيحها. هذه المفاهيم هي: (1) طبيعة التقنية بالمعنى الأوسع للكلمة. (2) قراري استخدام مصطلح «أشباه البشر» بدلا من مصطلح «أسلاف الإنسان» الأكثر رواجا الآن. (3) المراحل الثلاث المتمايزة لتطور البشر كما حدثت على مدار الخمسة ملايين سنة الماضية. (4) الاختلاف الأساسي بين الثورة والتحول.
طبيعة التقنية
अज्ञात पृष्ठ
في الخطاب الحديث نستخدم كلمة «تقنية» بوجه عام عند الإشارة إلى أعقد آلات الحياة الحديثة وتراكيبها وأدواتها وآلياتها وعملياتها؛ أشياء على غرار المركبات الفضائية والأنظمة الآلية والعمليات الكيميائية والشبكات الحاسوبية والأجهزة الإلكترونية، لكنني استخدمت كلمة «تقنية» في هذا الكتاب كما عرفها اختصاصيو علم الإنسان وعلم الرئيسيات، الذين صادفوا تقنيات سابقة للصناعة في مجتمعات الصيادين وجامعي الثمار القديمة وفي المجتمعات البدائية لقردة الشمبانزي البرية. بناء على هذا وصف اختصاصيو علم الإنسان التقنية - في أوسع وأشمل معانيها - بأنها التعديل المتعمد لأي شيء أو مادة طبيعية بترو لتحقيق غاية محددة أو خدمة غرض بعينه. دائما ما اعتبر اختصاصيو علم الإنسان الأدوات والأسلحة والملابس ومساكن مجتمعات الصيد وجمع الثمار تقنيات حقيقية. ويتبع هذا الكتاب هذه الرؤية التقليدية بحرص.
على عكس التقنيات البسيطة جدا التي يستخدمها الشمبانزي وسائر الحيوانات، تنطوي أغلب التقنيات البشرية على عمليات معقدة ومواد متعددة تستخدم معا لتحقيق غاية محددة. على سبيل المثال كان القوس والسهم المستخدمان فيما قبل التاريخ مصنوعين عادة من رءوس حجرية وريش طيور مثبتة على الطرفين المتقابلين لعود خشبي بصمغ نباتي ومربوطة معا بأوتار حيوان، ولم يكن كل من هذه المواد تشتق من مصدر مختلف فحسب، لكن كانت تحتاج إلى عملية خاصة في استخراجها وتحضيرها أيضا، إلا أننا دائما ما نعتبر القوس والرمح تقنية واحدة. كل من التقنيات الثماني الرئيسية التي جاء وصفها في هذا الكتاب هي في الواقع مجموعة معقدة من الأشياء والعمليات؛ ما يربط كلا منها معا ككيان واحد هو الغرض المشترك الذي اخترع كل منها من أجله واستخدم.
أشباه البشر أم أسلاف الإنسان أم الهومينينا؟
طوال المائتين وخمسين سنة الماضية كانت كل الرئيسيات ذات القدمين والمنتصبة القامة تماما في شجرة العائلة البشرية تسمى أشباه البشر (الهومينيد)
hominids ، وهي كلمة مشتقة من المصطلح اللاتيني
Hominidae (ويعني بالعربية أشباه البشر) الذي عرفه في الأصل عالم التاريخ الطبيعي السويدي كارلوس لينيوس، الذي وضع الطريقة العلمية الحديثة لتصنيف الأنواع. وظل العلماء والكتاب لعقود عدة يستخدمون مصطلح «أشباه البشر» في الإشارة لكل الأنواع ما قبل التاريخية والحديثة، التي تسير وتركض في انتصاب كامل متحررة الذراعين واليدين، على نحو فريد بين الحيوانات العليا، لصنع الأشياء وحملها.
لكن تغير المعنى القديم لمصطلح «أشباه البشر» في تسعينيات القرن العشرين، حين أدخلت تجديدات رئيسية على تصنيف السعادين والقرود التي تنتمي إلى رتبة الثدييات المسماة بالرئيسيات؛ إذ جعلت التطورات في تحليل الحمض النووي في تسعينيات القرن العشرين تقدير المسافة الجينية بين أحد الأنواع ونوع آخر بدقة أمرا ممكنا، ولما تبين أن المسافة الجينية بين البشر والقردة العليا - مثل الشمبانزي والغوريلا - قليلة نسبيا، فقد عدل التصنيف بدرجة كبيرة.
وفي التصنيف الجديد ألغيت البنجيدات - الفصيلة البيولوجية التي ضمت في الماضي الشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب - ووضعت كل هذه الأنواع جميعها مع البشر في فصيلة أشباه البشر؛ لهذا لم يعد مصطلح «أشباه البشر»، في لغة المتخصصين، يعني «فصيلة إنسان العصر الحديث وإنسان ما قبل التاريخ»، وإنما يعني الآن بالمعنى الدقيق «فصيلة إنسان العصر الحديث وما قبل التاريخ والشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب».
وبمجرد أن صار مصطلح الأناسي أو أشباه البشر غير مقتصر على الحيوانات ذات القدمين، بدأ اختصاصيو علم الإنسان وعلماء الحفريات يستخدمون مصطلح «أسلاف الإنسان» في الإشارة إلى بشر العصر الحديث وما قبل التاريخ، لكن مع الأسف لدى مصطلح «أسلاف الإنسان» مشكلة «أشباه البشر» ذاتها بالضبط؛ لأن فصيلة أشباه البشر لا تشتمل فقط على البشر، وإنما الغوريلا والشمبانزي أيضا، ولا تشتمل فصيلة أسلاف الإنسان على البشر فقط، ولكن على الشمبانزي أيضا.
من ثم لا يشير أي من «أشباه البشر» أو «أسلاف الإنسان» بالمعنى الدقيق إلى بشر ما قبل التاريخ والعصر الحديث بصفة حصرية. في الواقع ، المصطلح العلمي الوحيد المتبقي الذي يشير حصريا إلى البشر منتصبي القامة ذوي القدمين، سواء في العصر الحديث أو ما قبل التاريخ، هو فصيلة الهومينينا، لكن يمكننا أن نلتمس عذرا للكتاب والعلماء الذين ما زالوا يواجهون صعوبة مع التغيير من «أشباه البشر» إلى «أسلاف الإنسان» لإحجامهم عن الانتقال مرة أخرى إلى مصطلح «هومينينا» غير المستخدم والمعروف فقط لدى القلة، لا سيما حين نضع في الاعتبار أن فصيلة الهومينينا قد يلم بها المصير نفسه الذي حاق بأسلافها. اقترح بعض العلماء أن يعاد تصنيف الشمبانزي باعتباره نوعا من جنسنا؛ جنس الهومو. إن حدث هذا فحتى الهومينينا سيضم الشمبانزي؛ الحيوان الرباعي الأرجل غير المؤهل للحركة على قدمين على نحو صحيح وغير القادر عليها، والذي لا يمكن إجازته كفرد من أفراد العائلة البشرية في أبعد ضروب الخيال.
अज्ञात पृष्ठ
2
لكل هذه الأسباب استخدمت المصطلح التقليدي «أشباه البشر» طوال الكتاب باعتباره المصطلح المفضل لكل الأنواع ذات القدمين فيما قبل التاريخ وفي العصر الحديث في شجرة العائلة البشرية. على عكس «أسلاف الإنسان» - الذي صار مؤخرا مصطلحا مفضلا في علم الإنسان القديم وعلم الحفريات الأكاديميين - ظل مصطلح «أشباه البشر» جزءا من القاموس العلمي لقرون، وصار مقبولا وراسخا في الاستخدام العام، وما زال كل القراء المثقفين يعرفونه ويفهمونه. والأهم أنه ليس أقل ملائمة من مصطلح «أسلاف الإنسان»، مع وضع التعريفات الحالية لمصطلحات أشباه البشر والقردة العليا وأسلاف الإنسان في الاعتبار.
المراحل الثلاث المتمايزة لتطور الإنسان
حين نطالع بدايات تطور الإنسان الأولى نستطيع أن نرى أنه جرى في ثلاث مراحل متمايزة. كان لأشباه البشر في كل مرحلة تشريح مميز، وتنوع مميز في أحجام الدماغ، ومجموعة مميزة من الأدوات والأسلحة، وتوزيع جغرافي مميز. يمكن تحديد الأنواع التي تمثل هذه المراحل الثلاث بسهولة بتقسميها إلى ثلاث مجموعات، سأشير إليها في هذا الكتاب بأسماء «أشباه البشر الأوائل» و«البشر الناشئين» و«بشر العصر الحديث».
بدأت المرحلة الأولى - مرحلة أشباه البشر الأوائل - منذ نحو خمسة ملايين عام، حين تطور لدى قردة ما قبل التاريخ تدريجيا القدرة على الوقوف والسير والركض بقامة منتصبة تماما. البقايا الأحفورية الشهيرة للوسي، واحدة من أقدم أشباه البشر الأوائل هؤلاء، كانت من نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، وحاليا يعرف علماء الحفريات خمسة أنواع أخرى على الأقل.
صنع أشباه البشر الأوائل أدوات حجرية بدائية من نوعية «أولدوان»، لكنهم لم يتركوا دليلا على استخدام النار أو العيش في الكهوف. ورغم أنهم كانوا يقفون ويسيرون ويركضون بقامة منتصبة، فقد ظلوا محتفظين بالأذرع الطويلة، وعظام الأصابع المتقوسة، وأصابع الأقدام الطويلة، والأكتاف الضيقة التي تميز بها أسلافهم ساكنو الأشجار. استمرار هذه السمات الشبيهة بالقردة في أشباه البشر الأوائل ذوي القامة المنتصبة لهو دليل مقنع على أنهم استمروا في تسلق أعالي الأشجار حتى يناموا ليلا لتجنب الحيوانات المفترسة الضخمة، خاصة القطط الكبيرة التي كانت أخطر أعدائهم الطبيعيين.
ورغم أن أشباه البشر الأوائل كانوا مبتكرين وواسعي الحيلة، إلا أنه غير مرجح أنهم كانوا أكثر ذكاء من القردة العليا بدرجة كبيرة؛ فمقارنة بدماغ إنسان العصر الحديث الذي يبلغ متوسط حجمه 1400 سنتيمتر مكعب تقريبا، كان دماغ أشباه البشر الأوائل أكبر قليلا من مخ الشمبانزي النموذجي البالغ 375 سنتيمترا مكعبا، ولم تكبر أدمغتهم بدرجة كبيرة قط خلال ملايين السنين التي سكنوا فيها أفريقيا الاستوائية.
لا بد أن يرى التاريخ الطويل لأشباه البشر الأوائل باعتباره التأقلم الموفق لوضع القامة المنتصبة والتحرك على قدمين لدى رئيسيات لديها القدرات الذهنية لقردة شديدة الذكاء. صنعت هذه الكائنات الحراب وعصي الحفر، ونجحت في صيد حيوانات أخرى وقتلها، ودافعت عن أنفسها ضد أعدائها الطبيعيين، وعاشت في ازدهار نحو أربعة ملايين سنة. وهي فترة زمنية أكثر 800 مرة تقريبا من التاريخ الكامل للحضارة المدنية التي بدأت في بلاد الرافدين القديمة منذ خمسة آلاف عام.
في وقت ما في الماضي بعد مرور مليوني سنة، بدأ يظهر في القارة الأفريقية جماعة من أشباه البشر أكثر تطورا بكثير، وذوي أدمغة أكبر حجما بدرجة كبيرة. على مدار المليون سنة التالية تقريبا تفوق هؤلاء البشر الناشئون بالتدريج بأدواتهم الحجرية الأشولية المتقدمة وتقنياتهم، وحلوا محل أشباه البشر الأوائل الأكثر بدائية . ومنذ ما يقرب من مليون عام كانت كل الآثار الدالة على وجود أشباه البشر الأوائل قد اختفت من سجل الحفريات، كانوا قد انقرضوا على ما يبدو.
كان البشر الناشئون أكبر حجما وأطول قامة، بالأكتاف العريضة والخصور النحيفة التي تمتاز بها جماعات بشر العصر الحديث. علاوة على ذلك كانت أصابعهم مستقيمة وليست مقوسة، وأذرعهم أقصر، وأصابع أقدامهم قصيرة وعريضة. وهذا يدل على أن البشر الناشئين لم يعودوا قادرين على التكيف مع تسلق الأشجار للنوم ليلا؛ فقد صار البشر الناشئون يسكنون الكهوف، واستحدثوا استراتيجية مختلفة - استخدام النار - لحماية أنفسهم من الضواري الكبيرة والخطيرة في بيئتهم.
अज्ञात पृष्ठ
هاجر من أفريقيا الهومو إريكتوس (الإنسان المنتصب)، الأهم والأنجح بين البشر الناشئين، وسكن البيئات المدارية في جنوب وشرق آسيا، واستقر في النهاية في أنحاء الدوائر الشمالية الأبرد في أوراسيا، من الجزر البريطانية حتى الصين. دماغ الإنسان المنتصب التي بلغ متوسط حجمها 650 سنتيمترا مكعبا تقريبا في أقدم الاكتشافات، زاد حجمها حتى وصلت إلى 1250 سنتيمترا مكعبا، يظل في الحد الطبيعي لمقياس إنسان العصر الحديث. كان الهومو إريكتوس هو من عبر في حسم الهوة الفاصلة بين البشرية وسائر عالم الحيوان.
أخيرا بدأ أول بشر العصر الحديث في الظهور في أفريقيا، منذ 250 ألف عام تقريبا، حاملين أدمغة عملاقة بحجم 1300 و1400 سنتيمتر مكعب؛ ثلاثة أضعاف حجم دماغ أشباه البشر الأوائل تقريبا. انتشر الهومو سيبيانز (الإنسان العاقل)، في أرجاء القارة الأفريقية، بينما هاجرت مجموعات أخرى من بشر العصر الحديث إلى أوروبا وآسيا. وضم نسلهم إنسان النياندرتال، الذي اصطاد الماموث الصوفي، ووحيد القرن الصوفي خلال العصور الجليدية الأخيرة والإنسان الحديث تشريحيا، الذي رسم رسومات جدران الكهوف الشهيرة في فرنسا وإسبانيا قبل التاريخ.
في فترة ما بين خمسة وعشرين ألفا وخمسة عشر ألف عام مضت، عبرت بعض قبائل الإنسان الحديث تشريحيا التي كانت تعيش في سيبيريا إلى ألاسكا، وانتشرت سريعا في جميع أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية، وأتمت الغزو البشري لكل قارات الأرض.
هكذا كان أشباه البشر الأوائل والبشر الناشئون والإنسان الحديث الثلاث جماعات السائدة خلال كل من المراحل الرئيسية في تطور البشرية. عاش أشباه البشر الأوائل ما يربو عن أربعة ملايين عام، وعاش البشر الناشئون نحو مليوني عام. ونحن البشر الحديثون بعقولنا «المتفوقة» سكنا هذه الأرض منذ ربع مليون سنة على أكثر تقدير؛ ثمن مدة البشر الناشئين، وسدس مدة أشباه البشر الأوائل. وأمام الإنسان الحديث طريق طويل قبل أن يتساوى مع أقدم أسلافه في طول البقاء.
ثمانية تحولات، عدة ثورات
رغم ظهور ثورات عديدة واختفائها على امتداد التاريخ البشري، لم تمر البشرية إلا بسبعة تحولات أو انسلاخات رئيسية. سميت بعض هذه التحولات ثورات (كثيرا ما يسمى التحول الخاص بالزراعة ثورة العصر الحجري الحديث، ويعرف التحول الخاص بالعلوم والصناعة على نحو شائع بالثورة الصناعية).
لكن تستخدم كلمة «ثورة» أيضا لوصف أي تغير مفاجئ وجذري في هيكل سلطة سياسية معينة أو في مجال ثقافي معين، وهو ما يشمل العلوم والتقنية والفن. أما التحول فيصف تغيرا جذريا في كل جوانب الثقافة والمجتمع؛ الغذاء، والسكن، والعلاقات الاجتماعية، والسلوك الاقتصادي، وحجم المجموعة والتقنيات والضغوط التطورية، بل والتشريح البشري ذاته. حدثت آلاف الثورات خلال تطور البشرية وتاريخها، لكن لم يقع سوى القليل من التحولات الحقيقية.
وقعت التحولات الثلاث الأولى منذ ملايين السنين فعليا بين مجتمعات قردة ما قبل التاريخ وأشباه البشر الأوائل والبشر الناشئين. أدت هذه التحولات إلى صناعة أسلحة فتاكة، وتطور وضع القامة كاملة الانتصاب والحركة على قدمين، وتوسع السلوك الجنسي وتعزيزه، والتحكم في النار، وصناعة الملبس والمسكن، واستحداث ذلك الابتكار الذي تفرد به البشر؛ الأسرة النواة أو المصغرة.
حدثت التحولات الثلاث التالية منذ آلاف السنوات، بين مجتمعات البشر الحديثين بيولوجيا. أدت هذه التحولات لاختراع اللغة، والتواصل بالرموز، ونشأة الهويات القبلية والعرقية، واستئناس النباتات والحيوانات، وميلاد الحضارات، وزيادة ضخمة في سكان الأرض من البشر.
وقع التحول السابع الذي أثمر عن الثورة الصناعية منذ عدة قرون فحسب، وقد وثق توثيقا جيدا بفضل كم هائل من المصادر التاريخية. وقد عزز هذا التحول التقني قدرة البشر على إطعام ذريتهم وحمايتها بدرجة كبيرة ، حتى إن الزيادة السكانية البشرية صارت الآن الخطر الأول المتربص ببيئة الأرض.
अज्ञात पृष्ठ
حاليا يجري تحول ثامن بدأته التقنية الرئيسية للاتصالات الرقمية؛ فلأول مرة في التاريخ الإنساني صار ممكنا لأي شخص على وجه الأرض أن يتواصل مع أي شخص آخر تقريبا على وجه الأرض، سريعا وبتكلفة معقولة. وسوف يحدث تغيير للمجتمع البشري بهذا التحول الأخير بقدر ما تغير بتقنيات الماضي السبع الرئيسية والتحولات السبعة التي أطلقت لها العنان.
فليكن البقاء للفرضية الأصلح
كان هدفي من تأليف هذا الكتاب هو تحديد التحولات البيولوجية والثقافية الرئيسية - والتقنيات التي أفضت إليها - التي وصل بها النوع الإنساني خطوة خطوة إلى حالة معيشية راقية في الوقت الحاضر، ولكن محفوفة بالمخاطر. أثناء ذلك حاولت فهم السمات التشريحية المميزة المتعددة في فصيلة أشباه البشر التي لا وجود لها في أي موضع آخر في مملكة الحيوان، والتي لم تبد لها دائما فائدة تطورية واضحة.
لماذا اتخذ أسلافنا وضع القامة المنتصبة في المقام الأول؟ لماذا فقدنا سلاح الأسنان الفتاك الذي ورثناه من أجدادنا من الرئيسيات وصرنا غير قادرين على الدفاع عن أنفسنا بدون أسلحة مصنعة؟ لماذا إناث البشر هن الثدييات الوحيدة التي ترتفع أثداؤها وتصير متضخمة بصورة دائمة عند بلوغ النضج الجنسي، بصرف النظر عما إن كن في حالة حمل أو إرضاع؟ لماذا يكاد نشاطنا الجنسي أن يكون مستمرا بدلا من أن يكون متسقا مع فترات الخصوبة، كما هو الحال مع كل الأنواع الأخرى؟ كيف أصبحنا الحيوان الوحيد على الأرض الذي تجذبه النار بدلا من أن تصده؟ لماذا فقدنا الغطاء الطبيعي من الفراء الذي لدى كل الرئيسيات الأخرى وصرنا عرايا؟ لماذا نحن البشر، المنحدرون من مجموعة من الثدييات التي تطورت لتعيش فوق الأشجار، صرنا متكيفين للعيش ليس فقط على الأرض، لكن أسفل الأرض فعليا في بعض الحالات، في كهوف سواء طبيعية أو مصطنعة؟ وكيف تتواءم كل هذه السمات البشرية الفريدة معا ككل متسق؟
حين تقدم جاليليو بنظرية دوران الأرض حول الشمس استنكرته البابوية وعلماء الفلك في عصره، وأدانوه بالهرطقة، وحكم عليه بالإقامة الجبرية في المنزل مدى الحياة. وحين طرح داروين نظرية تطور النوع البشري من أسلاف يشبهون القرود، قابله علماء عصره بالشك والاحتقار والاستهزاء.
وفي العصور الحديثة لم يكن الباحثون والعلماء أقل ميلا لرفض أي تفسير غير تقليدي، إن كان يعارض مسلمات المعرفة العلمية المألوفة. وقد تبين أن الوضع الكامل، الانتصاب والحركة على قدمين، أقدم مما كان يعتقد في الأصل بملايين السنوات. واستخدام النار أقدم مما كان يظن في الأصل بمئات آلاف السنوات. ويصنع الشمبانزي ويستخدم أدوات متنوعة، وهي المقدرة التي كانت تعتبر في الماضي حكرا على البشر. واتضح أن واقعية فن ما قبل التاريخ المدهشة أقدم بعشرات آلاف السنوات مما كان علماء الحفريات القدامى على استعداد لتصديقه.
القراء المطلعون على دراسة التطور البشري سيجدون أن بعض التفسيرات التي قدمتها فيما يتعلق بأصول الإنسان مناقضة للتفكير العلمي التقليدي. هذا في حد ذاته يجب ألا يزعج أحدا، حيث إن التفكير العلمي التقليدي المعني بأصول الإنسان والتطور البشري قد تغير عدة مرات، وفي بعض الحالات صار ما كان بدعة في أحد الأجيال تقليديا في الجيل التالي.
أغلب الحقائق والنظريات حول التطور البشري المقدمة في هذا الكتاب متسقة مع التفكير العلمي الحالي، وحين لا تكون كذلك حاولت أن أبين لماذا أرى أنه لا بد من تفسير بديل. بعض الفرضيات التي قدمتها في هذا الكتاب قد تكون غير تقليدية، لكنها من وجهة نظري تلائم على أفضل وجه كل الحقائق كما نعرفها. وسيكون على الآخرين تقييم صحتها وتحديد ملاءمتها للبقاء في إطار الفهم العلمي لأصول البشر.
الفصل الأول
منطلق الرئيسيات
अज्ञात पृष्ठ
الأدوات والعادات والأمومة والحروب والوطن
لا بد أن نقر أن الإنسان بكل صفاته النبيلة ما زال يحمل في تكوينه بصمة أصله الوضيع المتعذر محوها.
تشارلز داروين، «نشأة الإنسان»
حين طرح تشارلز داروين لأول مرة الفكرة القائلة بأن الجنس البشري تطور من سلف شبيه للقردة، قوبل بصيحات السخط من رجال الدين والعامة والكثير من علماء ومثقفي عصره؛ فرغم كل أوجه الشبه الملحوظة بين الجسد البشري وأجساد السعادين والقردة ، فقد صور داروين مهرطقا ناقضت نظرياته قصة الخلق في الإنجيل، بل والاعتقاد الشائع بأن الجنس البشري أكثر تميزا بكثير من أن ينشأ من «أصل وضيع» مثل هذا، إلا أنه عند وفاته كانت نظريات داروين عن التطور قد صارت مقبولة بصورة كبيرة، ومنذ عصره وعلماء الحفريات وعلماء الوراثة يدللون على الارتباط بين البشر وقردة ما قبل التاريخ بإسهاب ودقة لم يكن داروين نفسه ليتخيلهما (انظر شكل
1-1 ).
شكل 1-1: رسمة كرتونية شهيرة من العصر الفيكتوري نشرت في «ذا هورنيت»، المجلة الإنجليزية الساخرة، حيث صور تشارلز داروين على شكل «إنسان غاب موقر».
قد يرتبط البشر بالقردة والسعادين بمعنى اشتراكهم في النسب نفسه، لكن البشر متفردون في عدة طرق تفصلهم دون شك ليس عن الرئيسيات فقط، لكن عن أشكال الحياة الأخرى كذلك. يستكشف الجانب الأكبر من هذا الكتاب التغيرات القائمة على التقنية، والتي حولتنا تدريجيا إلى ما هو أكثر من مجرد نوع حيواني آخر، لكن حتى نفهم التعقيدات الغريبة في مجتمع البشر وثقافتهم، علينا أن نبدأ باستيعاب منطلق الرئيسيات؛ تشريح السعادين والقردة وسلوكهما. كان هذان بمثابة نقطتي الانطلاق الوراثية، المواد الخام الطبيعية، التي تطور منها تشريح البشر وسلوكهم الفريدان. بفهم طبيعة لبنات البناء التطورية هذه نستطيع أن نقدر بالتمام كم من مشوار التطور قد قطعنا وما مقدار ما تبقى منه.
بصمة انحدارنا من الرئيسيات واضحة في كل جانب من جوانب تشريح الإنسان؛ فلقد تطورت يد الإنسان بسبب حاجته إلى الإمساك بفروع الأشجار بقبضة قوية ومحكمة، وتطورت كتف الإنسان التي تسمح للذراع بالدوران لتصل إلى وضع قائم تماما من حاجته للتدلي من الفروع العلوية بالذراعين. أما قدم الإنسان التي تكيفت على نحو جميل للسير والركض على ساقين على أرض منبسطة، فقد كانت في الأصل «يدا» قابضة كانت مهمتها تسلق الأشجار.
أما وجه الإنسان، بعيدا عن فمه الصغير نسبيا وجبهته العالية، فهو وجه نموذجي من وجوه الرئيسيات؛ فهو يخلو من الشعر حول العينين والأذنين والأنف والفم، مع حاجبين بارزين.
1
अज्ञात पृष्ठ
الأنف قصير لأن حاسة الشم ليست مهمة للحياة على الأشجار، وكلتا العينين تقعان في وسط الوجه وليس على الجانبين من أجل الإبصار المتزامن بكلتيهما؛ لأن هذا النوع من الإبصار يمكن الرئيسيات من الحكم على المسافات في فضاء ثلاثي الأبعاد؛ ومن ثم فله دور حيوي في التحرك سريعا وبيسر بين الأشجار.
حتى صوت الإنسان تطور من حاجة الرئيسيات القديمة إلى التواصل مع الأصدقاء والأقارب والغرماء الذين قد يكونون مختبئين بين أوراق الأشجار المدارية الكثيفة. في الواقع كل الرئيسيات لها أصوات، وأغلب الأنواع يصدر عنها أصوات متنوعة، كل منها له معناه الخاص، بل وتبتكر قردة الجيبون في جنوب شرق آسيا أغاني خاصة بها تتغنى بها في الغابة يوميا قبل الفجر. وإن كنا لم نعد قادرين على تسلق الأشجار حتى ارتفاعات كبيرة على العكس من القردة والسعادين التي يسهل عليها ذلك، فما زلنا نجد متعة استثنائية حين نتطلع من أماكن مرتفعة ذات إطلالات واسعة.
بجانب تزويدنا بالسمات الرئيسية لخصائصنا البشرية الجسدية المميزة، يمكن رؤية تأثير انحدارنا من الرئيسيات بوضوح في العديد من عناصر السلوك الإنساني الرئيسية؛ فمثل أغلب الرئيسيات نحن نوع اجتماعي يعيش في مجموعات، وننضج ببطء، ونظل معتمدين على أمهاتنا خلال السنوات الأولى من حياتنا، ونكون مع أمهاتنا وإخوتنا ورفاقنا روابط قوية تستمر عادة طوال حياتنا. كذلك ننظم أنفسنا في تسلسلات هرمية اجتماعية، وداخل هذه التسلسلات الهرمية نتنافس مع أشقائنا وزملاء الدراسة وزملاء العمل المشابهين لنا في المكانة. في الوقت نفسه نذعن لآبائنا ومعلمينا ورؤسائنا الذين يعلوننا في المكانة، ونتوقع الإذعان من أطفالنا وطلابنا وموظفينا الذين نعلوهم مكانة.
حتى قدرة البشر التي يزهون بها كثيرا على تكوين ثقافات مميزة وتوريثها توجد بشكل بدائي بين العديد من الحيوانات العليا الأخرى، من بينها الحيتان والأفيال وحتى كلاب البراري. وقد أكدت الدراسات الميدانية الحديثة التي أجراها اختصاصيو علم الرئيسيات بما لا يدع مجالا للشك أن السعادين والقردة قادرة هي الأخرى على تكوين لبنات البناء الأساسية للثقافة والحفاظ عليها، حيث يستحدث الأفراد عادات وتقاليد، وتنتقل إلى أعضاء آخرين في المجموعة عن طريق المحاكاة والممارسة ، وتورث إلى أجيال لاحقة من الآباء إلى الأبناء. وأخيرا استخدام الأدوات والأسلحة الذي كان يعد في الماضي الفارق المميز بين البشر وكل الحيوانات الأخرى، اكتشف على نحو حاسم أنه جزء من السلوك الطبيعي لأقرب أقربائنا جينيا وهو الشمبانزي.
التضامن الجماعي والوطن
الرئيسيات حيوانات اجتماعية للغاية، وفي أغلب الحالات يقضون نهارهم في صحبة أعضاء آخرين في جماعتهم، مقتسمين أرضا مشتركة أو حيزا حيويا استبعدت منه الجماعات الأخرى، في حين أن أي مجموعة من الرئيسيات تتشارك موطنها طوعا مع أفرادها، إلا أنها تطرد بعنف الأفراد الآخرين من نوعها ذاته الذين ينتمون إلى جماعات من أراض أخرى، وتدافع عن أرضها ضد الجماعات المجاورة، تماما كما نفعل الآن، وكما كان يفعل الصائدون جامعو الثمار قبلنا (انظر شكل
1-2 ).
شكل 1-2: تعكس لغة جسد قرود الشمبانزي في الصورة التضامن والألفة اللتين يشعرون بهما بصفتهم أفرادا في المجموعة الاجتماعية ذاتها (بإذن من
http://www.aidanhiggins.com/images/chimps.jpg ).
لكل جماعة من الرئيسيات ثمة «نحن» و«هم»؛ أي الأفراد الذين ينتمون لجماعة ما ويعيشون على أرضها مقابل الدخلاء الذين ينتمون إلى جماعات أخرى ويعيشون في أراض غريبة. وتدافع كل جماعة من الرئيسيات عن موطنها ضد الجماعات المنافسة في مواجهات صاخبة وعدوانية وأحيانا عنيفة، تقع غالبا على الحدود حيث تلتقي الأراضي المتلاصقة. فيصيح أفراد جماعتين مختلفتين من السعادين أو القردة بعضهم في بعض، ويلوحون بإيماءات الوعيد، ويكسرون فروع الأشجار، ويلقون بالأشياء، ويحاولون إرهاب الطرف الآخر بوجه عام.
अज्ञात पृष्ठ
كذلك تميز الرئيسيات بين نوعين من الملكية مختلفين اختلافا جوهريا: الملكية الجماعية، والملكية الشخصية. فأرض موطن الجماعة وموارده الطبيعية - يشمل ذلك أشجار النوم وأشجار الفاكهة وأقراص العسل وأعشاش الطيور ومواضع الشرب وما إلى ذلك - تعتبر عامة ملكية جماعية للجماعة ككل، ولأي فرد في الجماعة الحق في استخدامها، لكن عند قطف ثمرة فاكهة محددة، أو صيد حشرة شهية، أو بناء عش من الأغصان في إحدى أشجار النوم، فقطعة الطعام أو هذا العش يصير ملكية للفرد الذي التقطه أو بناه، ونادرا ما يتشاركه مع الآخرين.
تقر كل المجتمعات البشرية بهذين النوعين من الملكية في الممتلكات الشخصية التي تخص الأفراد وحدهم في مقابل الأرض العامة التي يتقاسمها كل أفراد المجتمع (والتي تشمل الشوارع والطرق والحدائق والساحات العامة الأخرى). وأضاف البشر إلى هذين النوعين من الملكية نوعا ثالثا، وهو الملكية العائلية (خاصة الغذاء والمسكن) الذي يتشارك فيه أفراد العائلة، وليس المجتمع كله.
تتنوع جماعات الرئيسيات في الحجم من عدد قليل من الأفراد إلى 150 فردا أو أكثر. هذا التراوح في الحجم هو ذاته الذي وجد بين الجماعات الرحل من الصائدين وجامعي الثمار البشر، التي درسها اختصاصيو علم الإنسان. تقتصر أصغر جماعات الرئيسيات على الأم وابنها، لكن تعيش أغلب أنواع الرئيسيات في جماعات أكبر تضم بالغين وصغارا ورضعا من كلا الجنسين. وبعض الجماعات تتشكل من عدة إناث مع ذكر واحد مسيطر. هذا النمط ينطبق على الغوريلات وقردة اللانجور والقردة الصياحة وقردة البابون.
2
إلا أن ثمة أنواعا أخرى، مثل السعدان الريسوسي والشمبانزي، تعيش في مجموعات من عدة ذكور وإناث. عادة ما ترتبط هذه الأنواع بأمهاتها ارتباطا قويا وطويلا، لكن علاقاتها الجنسية، من وجهة نظرنا البشرية، إباحية؛ أي عرضية جدا وليست مستمرة ولا حصرية.
تتكون كل جماعات الرئيسيات تقريبا من شبكة معقدة من العلاقات التي تربط أفراد الجماعة معا بأربعة أنواع مميزة من العلاقات الاجتماعية، التي هي أيضا لبنات بناء أساسية في كل المجتمعات البشرية. وهذه العلاقات تشمل: (1) علاقة الأمومة بين الأم والذرية. (2) التسلسل الهرمي الاجتماعي الذي يربط بين الأفراد في علاقات من السيطرة والخضوع. (3) الصداقات والتحالفات التي قد تنشأ بين فردين. (4) العلاقات الجنسية التي تتكون بين البالغين من الذكور والإناث ويحافظ عليها.
الأمومة لدى الرئيسيات
غالبا ما تكون علاقة الأمومة أقوى وأشد بين الثدييات مقارنة بالحيوانات الأخرى، والسبب في ذلك ببساطة هو الارتباط الجسدي والعاطفي الذي يتكون أثناء الأسابيع أو الشهور أو السنوات التي تقضيها كل أنثى من الثدييات في رعاية صغيرها، ولأن الرئيسيات متكيفة بوجه خاص على العيش فوق الأشجار؛ فرباط الأمومة بينها أقوى وأبقى من رباط الأمومة داخل أي مجموعة ثديية أخرى . فالأمهات في الرئيسيات وحدهن تقريبا بين الأنواع المتعددة من الثدييات المشيمية لا بد أن يحملن صغارهن معهن، أينما ذهبن، طوال شهور أو سنوات عمرهم الأولى.
يمكن تحديد أسباب هذا العبء الاستثنائي على الأمهات بسهولة؛ حيث إن الرئيسيات متكيفة للعيش على الأشجار، وحيث إن عليها أن تتحرك دائما للبحث عن طعام موسمي تحمله الأشجار؛ فهي لا تستطيع بناء أعشاش أو جحور دائمة. هذا معناه أنها - على عكس الحيوانات الحفارة مثل الفئران أو الأرانب أو الثعالب - لا تستطيع إخفاء صغارها عن الخطر حتى تبلغ السن المناسبة لتترك وحدها. علاوة على ذلك قد تودي زلة أو سقطة واحدة من قمم الأشجار بحياة صغار الرئيسيات بسهولة.
يحتاج القرد أو السعدان الصغير فعليا سنوات من النمو قبل أن يستطيع التحرك بأمان بين قمم الأشجار بمفرده، وحتى ذلك الوقت يظل معتمدا على أمه لتوفر له وسيلة انتقال آمنة من مكان لآخر. وفي هذا اختلاف كبير عن الحيوانات التي تعيش على الأرض، التي يمكن أن تسقط صغارها وتزل مرارا وتكرارا دون أذى أثناء تعلم السير والركض. لهذه الأسباب فإن الاتصال الجسدي الحميم والوثيق بين الأم وصغيرها في الرئيسيات ومدته وأهميته المصيرية يفوق الاتصال الجسدي لدى أي حيوان آخر من الحيوانات العليا.
अज्ञात पृष्ठ
خلال مرحلة الطفولة يتشبث السعدان أو القرد بفراء أمه بأطرافه الأربعة، متعلقا بها من أسفل خاصرتها في وضع مقلوب بصفة تكاد تكون مستمرة طوال الأسابيع أو الشهور الأولى من حياته. ومع زيادة حجمه وقوته يبدأ الصغير من الرئيسيات الحركة وحده مع توخي الحذر، لكنه يهرع راجعا إلى أمه مع أول بادرة خطر. ومع انقضاء فترة الطفولة ينتقل القرد أو السعدان اليافع تدريجيا من اعتلاء خاصرة أمه بالمقلوب إلى الركوب على ظهرها أو منكبيها، ويستمر هذا شهورا أو سنوات قبل أن يبلغ السن المناسبة للاستغناء عن هذه الحاجة الدائمة للاتصال بأمه.
وهذا الارتباط الذي ينشأ بين صغير الرئيسيات وأمه أثناء هذه الشهور والسنوات الأولى من الاتصال الجسدي الوثيق دائما ما يستمر طوال الحياة؛ ومن ثم ليس من الغريب أن رباط الأمومة محوري في الحياة الاجتماعية لكل أنواع الرئيسيات، بينما يتباين رباط الأبوة، حسب النوع، من الأهمية الشديدة إلى عدم الأهمية على الإطلاق (انظر شكل
1-3 ).
شكل 1-3: يتشبث قرد الباتاس الصغير فطريا بأمه، حيث سيظل يمتطيها بالمقلوب طوال الشهور الأولى من حياته. (من تصوير ريتشارد دوتون.
richard@dutton.me.uk . أعيد طبعها بإذن.)
رباط الأمومة القوي بالفعل لدى الرئيسيات كلها صار أشد قوة مع تطور الرئيسيات ذوات الأربع ساكنة الأشجار إلى بشر يسيرون على قدمين ويسكنون الأرض. ينضج صغار البشر في بطء مقارنة بصغار أي نوع آخر من الرئيسيات؛ من ثم تكون فترة الاعتماد على الأم أطول. وتكتسب الإناث البالغات في مجتمعات القردة والسعادين مقاما وهيبة في الجماعة عند إنجاب صغارها. على غرار هذا يعترف بأعباء الأمومة ومسئولياتها الفريدة، وتلقى التقدير والاحتفاء في كل المجتمعات البشرية من خلال كم وفير من التقاليد الثقافية التي تقدر العلاقة الخاصة المديدة بين الأم وأطفالها. بيد أن البشر يتفردون بالروابط القوية التي تنشأ عادة بين الأب وأبنائه، وهو تطور جذري بين الرئيسيات التي تعيش في مجموعات.
العلاقات الجنسية لدى الرئيسيات
ظهرت الروابط الجنسية المستقرة والعلاقات الجنسية الحصرية، بما في ذلك التعاون بين الذكور والإناث في رعاية الأبناء، منذ زمن طويل في تاريخ الحياة على الأرض. ويمكن رصد مثل هذه العلاقات بين حيوانات بدائية مثل الأسماك، وتكاد تكون عامة بين الطيور التي يظل بعضها، مثل الأوز، مرتبطا بشريكه مدى الحياة، لكن بين الثدييات غالبا ما لا تكون العلاقات الجنسية مستقرة أو حصرية، وتجنح للتدرج بشدة في الصفة والأهمية من نوع لآخر.
فدائما ما تقتصر العلاقات الجنسية بين الماعز والخراف على سبيل المثال على بضعة أفعال قصيرة للجماع. تتمتع الذكور المسيطرة في هذه الأنواع بحقوق جنسية حصرية على قطيعها من الإناث، وتكون في غاية الانشغال بالتزاوج وحماية حقوقها لتساعد أيا من زوجاتها المتعددات في مهمة رعاية صغارهما. هذا هو النمط المعتاد بين الحيوانات التي تعيش في قطعان، مثل الحيوانات العاشبة.
على النقيض من ذلك، ترتبط قردة التيتي في أمريكا الجنوبية بعلاقات جنسية أحادية حصرية في أغلب الحالات، ونادرا ما يغيب أزواج قردة تيتي بعضهم عن أنظار بعض. وأثناء الراحة تجلس قردة التيتي المتزاوجة متجاورة وقد تشابكت ذيولها مع بعضها، وكثيرا ما تبدو أكثر اضطرابا لتعبيرات الضيق لدى أزواجها من تعبيرات الضيق التي تبدو على صغارها. ومن الجدير بالملاحظة أن كلا الجنسين من قرود التيتي يشاركان بهمة في رعاية الصغار، حتى إنه بعد الأشهر الثلاثة الأولى من مرحلة الرضاعة، قد يحمل ذكر التيتي صغيره 90 في المائة من الوقت. من الوهلة الأولى يبدو هذا موازيا لنمط شائع في مجتمعات بشرية كثيرة، لكن على عكس التيتي، تتباين المجتمعات البشرية المختلفة تباينا بالغا في مواقفها من رعاية الذكور للصغار.
अज्ञात पृष्ठ
تظهر الأنواع المتعددة من القردة والسعادين عدة أنماط مختلفة من العلاقات الجنسية، ولا غرو أن العلاقات الجنسية بصورتها المألوفة بين البشر تختلف اختلافا بينا عن العلاقات الجنسية لدى القردة أو السعادين، لكن رغم كل اختلافاتها تحتوي العلاقات الجنسية البشرية على العديد من العناصر الموجودة في العلاقات النمطية لدى الرئيسيات غير البشرية، ومنها ميل الذكور في كل من البشر والرئيسيات الأخرى للتنافس من أجل الفوز بالإناث النشطة جنسيا، لكن من أهم الاختلافات بين البشر وكل الرئيسيات الأخرى أن النساء وحدهن بين إناث الرئيسيات قادرات على أن يكن نشطات جنسيا بصورة شبه مستمرة منذ البلوغ وحتى الشيخوخة.
عند التبويض تهتاج إناث السعادين والقردة - تسمى علميا الحالة الشبقية - لمدة خمسة إلى سبعة أيام مرة كل شهر تقريبا، ولا تكون الإناث نشطة جنسية إلا خلال هذه الدورات الشبقية الوجيزة نسبيا حيث يكن في مرحلة التبويض والخصوبة. تمتاز الدورة الشبقية في أغلب الرئيسيات بشهية مفاجئة وحادة للجنس، يصحبها انتفاخ في الأعضاء التناسلية للأنثى، لكن حين تنحسر الدورة الشبقية تتوقف العلاقات الجنسية إلى أن تحدث الإباضة مجددا.
في كل الرئيسيات غير البشرية، الإناث غير البالغات أو الحبليات أو المرضعات أو اللواتي صرن عاقرات مع التقدم في العمر لا يأتيهن التبويض ولا تعاودهن دورات شبقية، وباستثناء حالات نادرة لا يجامعن خلال هذه الأوقات . ورغم التباين الكبير بين أنواع الرئيسيات في سن النضج الجنسي، وتواتر الدورة الشبقية وفترتها، وفي كثافة الجماع، فإن كل أنواع الرئيسيات غير البشرية - وكل الحيوانات العليا بالتأكيد - تظهر صورة ما من هذا النمط الجنسي القديم.
يقع الاستثناء الوحيد للقاعدة بين قردة البونوبو أو الشمبانزي القزم، حيث تقع عدة أنواع من المداعبات الجنسية وإثارة الأعضاء التناسلية يوميا بين أفراد من الجنس نفسه أو من الجنسين، بل وبين أفراد من فئات عمرية مختلفة جدا، لكن لا يشمل أغلب هذا السلوك الجنسي جماعا حقيقيا، ويبدو أن صلته سواء بالتناسل أو تكوين روابط بين الذكور والإناث ضعيفة أو منعدمة. عوضا عن ذلك يبدو أن السلوك الجنسي بين قردة البونوبو يستخدم وسيلة لفض النزاع وتقليل التوتر بين الأفراد.
من الملاحظ أنه من بين كل الرئيسيات، يعد البونوبو - الأنشط جنسيا بين الرئيسيات كلها (يتبعه مباشرة الشمبانزي) - الأقرب جينيا إلى الإنسان بوجه عام؛ فلدى قردة البونوبو دورات شبقية طويلة للغاية (ثلاثون يوما في مقابل خمسة إلى سبعة أيام تقريبا لدى أغلب الرئيسيات)، ويراود الشبق البونوبو مرة كل خمسة وأربعين يوما تقريبا، مؤديا إلى مزيد من الفرص للجماع عما هو مألوف لدى الرئيسيات غير البشرية، لكن حتى قردة البونوبو المفرطة في ممارستها الجنسية لا تستمر في الجماع أثناء الحمل أو الرضاع أو بعد انقطاع الطمث، كما يحدث لدى البشر.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن كلا من البونوبو والشمبانزي لا يتسمان بالاستئثار أو الاستحواذ الجنسي. وفي هذا تناقض ملحوظ مع البشر الذين يتنافسون بشدة على العلاقات الجنسية، والذين ينزعون بشدة للاستئثار بأزواجهم. سنبحث دلالة هذا الاختلاف الجذري عن السلوك التقليدي لدى الرئيسيات بالتفصيل في الفصل القادم.
في حين تشيع بين القردة والسعادين العلاقات الجنسية المتقطعة التي تسيطر عليها الدورات الهرمونية للتبويض والدورات الشبقية، تتباين بدرجة كبيرة أنماط التزاوج والترابط الجنسي بين أنواع الرئيسيات المختلفة من نوع لآخر.
العلاقة الأحادية، أعم أشكال الترابط الجنسي بين البشر، غير موجودة لدى 97 في المائة من كل أنواع الثدييات، ويندر وجودها بين القردة والسعادين . فيقيم ذكر إنسان الغاب البالغ في جنوب شرق آسيا علاقة جنسية مع اثنتين أو أكثر من الإناث البالغات اللواتي يعشن بعيدا بعضهن عن بعض. وتعيش كل أنثى من إناث إنسان الغاب مع أبنائها الصغار وحدهم في الغابة المطيرة، حيث يتردد عليهم دوريا الذكر البالغ الذي أنجب هؤلاء الأبناء. في أحيان أخرى قد يتردد الذكر البالغ نفسه على زوجاته الأخريات وأبنائهن المقيمين في مناطق قريبة.
تعيش قردة الجيبون وقردة السيامنج الشديدة الشبه بها في جنوب شرق آسيا في أسر مصغرة منعزلة، حيث يلعب ذكر الجيبون دورا نشطا في رعاية الصغار. تمتاز الغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا بتناثر مصادر الغذاء على مساحات شاسعة، ويعتقد أن هذا هو السبب في انعدام المجموعات الكبيرة في هذا الموئل، غير أن المجموعات الصغيرة لهذه الدرجة، المكونة من أسرة وحيدة مصغرة بصفة أساسية، غالبا ما تكون نادرة الوجود في عالم الرئيسيات.
ثمة نوعان آخران من الروابط الجنسية بين الرئيسيات أكثر شيوعا بكثير من مجموعة الأسرة المصغرة. النوع الأول هو نظام الحرملك، حيث يكون لذكر واحد مسيطر حقوق جنسية حصرية على مجموعة معينة من الإناث. أما النوع الثاني فهو نظام متعدد الذكور ومتعدد الإناث، حيث تكون العلاقات الجنسية عابرة، ويعد السلوك الجنسي إباحيا وغير حصري بوجه عام.
अज्ञात पृष्ठ
نظام الحرملك معهود لدى الغوريلات وقردة الباتاس واللانجور وأغلب قردة البابون. وليست مصادفة أن كل هذه الأنواع تعيش على الأرض بدرجة كبيرة، وتقضي أكثر ساعات النهار على الأرض تبحث عن الغذاء. تكون الإناث في هذه الأنواع مجتمعا مستقرا، مع ذكر بالغ مسيطر يحميهن ويتمتع بحقوق جنسية حصرية مع أي واحدة منهن تأتيها الدورة الشبقية. وفي الوقت نفسه الذي يستأثر فيه ذكر بالغ واحد بعدة إناث، يحكم على أغلب الذكور غير الناضجين والكبار البالغين بنوع من «العزوبية»، حيث يعيشون وحدهم أو ضمن مجموعات متغيرة من العزاب الآخرين، حيث ينتظر كل منهم الفرصة (التي لا تسنح لأكثرهم أبدا) لاكتساب حرملك خاص به؛ لذلك لا بد أن يكون الذكر المسيطر متيقظا بصفة دائمة ، ومتأهبا للذود عن مكانته ضد المنافسين الطامحين الكثر القابعين على مقربة في أجزاء أخرى من الموئل.
ومع مرور الزمن وتقدم الذكر المسيطر في السن يواجه منافسة متزايدة، وفي النهاية يحل محله ذكر يصغره سنا ويفوقه قوة كان يعيش في السابق عازبا؛ إذ عادة ما تنتهي سلسلة من المواجهات متفاقمة الشراسة بهزيمة الذكر الأصلي المسيطر ورحيله إن حالفه الحظ بالنجاة في المعارك الأخيرة، ليعيش ما تبقى له من العمر في عزوبية مسنة في طريقها إلى الزوال. في الوقت نفسه تظل الإناث معا مجموعة ويخضعن لسيادة الذكر الجديد المسيطر.
عند تولي الذكر الجديد المسيطر زمام الحرملك عادة ما يقتل الأبناء الذين ما زالوا في طور الطفولة. فنظرا لأن هؤلاء الأطفال انحدروا من الذكر السابق، فقد نشأ هذا السلوك على الأرجح كي يضمن تمكن الذكر الجديد من إنفاق وقته وطاقته في حماية حياة الأبناء الذين يحملون جيناته وليس جينات الذكر السابق. وبمجرد أن ينتهي كبت التبويض بالهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء الرضاعة، تبدأ الإناث اللواتي صرن بلا صغار التبويض ثانية، وتأتيهن دورات الشبق، ويصرن نشيطات جنسيا مجددا، وفي النهاية يحبلن في نسل جديد من صلب الذكر الجديد المسيطر.
عند تأمل نمط المنافسة الضارية بين الذكور البالغين في هذه الأنواع لامتلاك إناثهم الخاصة بهم، نجد أن الانتقاء الطبيعي بين مثل تلك الأنواع يميل لإعطاء الحظوة للذكور الأضخم جثة والأعنف والأكثر نزوعا للسيطرة والأخطر. هذا الانتقاء المستمر لصالح القدرات القتالية الأفضل والسيطرة على النساء يعزز الصفات التي ترفع احتمال دفاع ذكور تلك الأنواع عن إناثهم ونسلهم من الضواري الأرضية؛ فحين تهيم جماعة من الرئيسيات بعيدا في أرض عراء ولا تستطيع الفرار بسهولة إلى مكان آمن فوق الأشجار، يكون على الذكور المواجهة والدفاع عن الجماعة من الأسود والكلاب البرية والضباع والضواري الأخرى التي تتوثب للصيد في الأراضي العراء.
قد يكون النظام متعدد الذكور متعدد الإناث هو النوع الأكثر شيوعا لدى جماعات الرئيسيات. هذا النظام يتميز بعيش الذكور والإناث من كل الأعمار معا في بناء جماعي واحد . الشمبانزي والبونوبو، كذلك بابون السافانا وقردة الماكاك، والعديد من قردة العالم القديم الأخرى، كلها تعيش في مجموعات متعددة الذكور ومتعددة الإناث. ولا تكون الروابط الجنسية في مثل تلك الجماعات استئثارية، وينحسر حب الاستحواذ الجنسي بدرجة كبيرة أو ينعدم. ويرتبط كل من الذكور والإناث في علاقات جنسية مع رفاق متنوعين؛ ففي الأنواع متعددة العلاقات الجنسية تقيم الإناث أثناء الدورة الشبقية علاقات جنسية مع عدة ذكور مختلفين، واحدا تلو الآخر غالبا، في حين يجامع الذكر البالغ أي أنثى في دورتها الشبقية في الحال ما دامت تقبل محاولاته التودد إليها.
رغم ذلك كثيرا ما تكون أنثى نشطة جنسيا مع ذكر محدد علاقة أكثر امتدادا تسمى الثنائي المتصاحب بين الأنواع المتعددة الذكور المتعددة الإناث. ويميل الثنائي المتصاحب لفصل نفسهما عن الجماعة والانخراط في الكثير من الجنس والتنظيف المتبادل باستمرار، بل ويتقاسمان الطعام، وهو سلوك نادر جدا بين الرئيسيات؛ في واقع الأمر عرفت الأمهات في الرئيسيات بخطف الطعام من صغارهن وتناوله.
رغم ذلك عادة تكون العلاقة بين الثنائي المتصاحب عابرة؛ إذ تستمر عدة أيام فقط خلال كل دورة شهرية تكون فيها أنثى القرد أو السعدان نشطة جنسيا، لكن يبدو أن علاقة التصاحب قد أعطت نقطة الانطلاق البيولوجية لتطور الأسرة المصغرة البشرية، والأسرة المصغرة القوية المستقرة سمة لا يستغنى عنها في كل الثقافات البشرية الناجحة.
مثل كل الرئيسيات الأخرى، يحدو البشر اهتمام حاد ودائم بالجنس، لكن العلاقات الجنسية المستمرة المعهودة لدى البشر تتجاوز المألوف لدى أي رئيسيات أخرى، أو أي حيوان آخر. سوف أتناول أصول هذا النشاط الجنسي الممتد ودلالاته بالتفصيل في الفصل التالي، لكن أكثر ما يلفت النظر في أنماط الترابط الجنسي البشري هو أنه لا يخضع لأي من الأنواع المتعددة التي وصفت للتو، وإنما يضم عوضا عن ذلك عناصر من كل منها - العلاقة الأحادية والعلاقات المتعددة والعلاقات العابرة - بدرجة أو بأخرى.
العلاقة الأحادية إلى حد كبير هي أكثر العلاقات الجنسية شيوعا بين البشر، لكنها في أغلب الحالات تكون في المجتمعات نفسها جنبا إلى جنب مع أشكال من العلاقات المتعددة الشبيهة بحرملك السعادين والقردة. كثيرا ما تقارن مجموعات الرئيسيات التي تكون حرملك بالمجتمعات البشرية التي تمارس تعدد الزوجات، وهو نوع من العلاقات المتعددة حيث يتاح لرجل واحد الزواج وإنجاب الأطفال من أكثر من امرأة واحدة. كثيرا ما يشار إلى أن عدد الثقافات والمجتمعات التي سمحت بتعدد الزوجات يفوق (أو كان يفوق على الأقل) عدد الثقافات والمجتمعات التي حظرته، لكن ثمة اختلافات مهمة أيضا بين حرملك الرئيسيات غير البشرية وممارسة تعدد الزوجات لدى البشر.
الفرق الأول هو أنه نظرا لأن إناث القردة والسعادين لا تجامع إلا أثناء التبويض والدورة الشبقية، فمن النادر أن تنشط جنسيا أكثر من أنثى من الجماعة نفسها في الوقت نفسه، إلا في حالة هيمنة ذكر مسيطر جديد على جماعة وقتله لجميع صغارها، لكن إناث البشر تميل لأن تنشط جنسيا أغلب الوقت (إلا قبل الوضع وبعده مباشرة، وفي مجتمعات كثيرة أثناء الحيض).
अज्ञात पृष्ठ
يترتب على هذه الإتاحة الجنسية المستمرة منافسة وغيرة دائمة بين الزوجات اللائي يتشاركن زوجا من أجل أن تحظى كل واحدة منهن باهتمام جنسي ومحاباة منه. ودائما ما يصرح اختصاصيو علم الإنسان الذين يدرسون تلك المجتمعات أن الاحتكاك بين الزوجات اللائي يتشاركن زوجا هو آفة الزيجات المتعددة الزوجات في تلك المجتمعات. وفي الواقع يمارس تعدد الزوجات أكثر الصائدين إنتاجا وأكثر المزارعين رخاء في هذه المجتمعات؛ من أجل الفوائد الاقتصادية الناتجة عن أن يكون لديهم نساء أكثر ليعملن لديهم وأطفال أكثر لإعالتهم عند الكبر، وليس من أجل بلوغ أقصى درجة من إشباع رغباتهم الجنسية.
الفرق الثاني المهم هو أنه حتى في المجتمعات التي تبيح تعدد الزوجات تظل أغلب الزيجات أحادية؛ لأن أكثر الرجال لا يستطيعون ببساطة التكفل بإعالة أكثر من زوجة. على النقيض من ذلك، في مجتمعات الذكر الواحد والإناث المتعددة من الرئيسيات غير البشرية، تنتمي كل الإناث البالغات لحرملك من الإناث اللواتي يتزاوجن مع الذكر الحالي المسيطر في الحالات النادرة نسبيا حين يكن في مرحلة التبويض.
ونشير أخيرا إلى أنه كثيرا ما يتغلب النزوع البشري للعلاقات العابرة حتى على أشد المحظورات الثقافية صرامة، وفي بعض الثقافات المتساهلة جنسيا التي درسها اختصاصيو علم الإنسان كانت تستهجن أنواع معينة من الاستحواذ الجنسي، وفي بعض الحالات كان التشارك في رفاق الجنس لا يعد شيئا مقبولا فحسب، بل إنه يعد في الواقع سلوكا حسنا؛ فكان إسكيمو القطب الشمالي مشهورين بمشاركة زوجاتهم وبناتهم غير المتزوجات مع الذكور الآخرين اللذين يأتون للإقامة زوارا أو ضيوفا؛ فقد كان الاستحواذ الجنسي صفة بغيضة من وجهة نظر الإسكيمو، فلا يصح للرجل من الإسكيمو أن يحرم ضيفه من الاستمتاع بزوجته، كما لا يصح أن يبخل عليه بكرم الضيافة من الطعام والمأوى.
الصداقات بين الرئيسيات
الصداقة موجودة بين الحيوانات في عدة أشكال مختلفة، وفي الرئيسيات قد تتدرج من المعارف العابرة بين أفراد مألوفين في الجماعة إلى تحالفات «سياسية» خاصة بين البالغين الذي قد يتضامنون معا من أجل الدفاع المشترك، أو الذين ربما يتنافسون مع أفراد وتحالفات أخرى على المركز والسلطة. روابط الصداقة موجودة إلى حد ما لدى أغلب الحيوانات العليا، وتلعب روابط الصداقة دورا مهما على الأخص بين الرئيسيات خلال حياتها اليومية.
ختاما، قد ينشأ رباط خاص بين فردين عادة ما يكونان (لكن ليس دائما) عضوين من المجموعة نفسها أو النوع نفسه، وتكتفي أغلب الطيور بعلاقة أحادية خلال موسم التعشيش، حين ينخرط كل من الذكور والإناث في المهام الشاقة لتنشئة الجيل التالي، ومنها بناء العش، وحضانة البيض، وإطعام الصغار وحمايتها، بل وتتزاوج أنواع عديدة مثل الأوز مدى الحياة.
قد تنشئ الأفيال والدرافيل والذئاب والأسود وعدة ثدييات أخرى روابط قوية ومستمرة مدى الحياة مع أفراد آخرين من النوع نفسه. وتستطيع الكثير من الحيوانات المستأنسة، مثل الكلاب والقطط والخيل والخنازير والببغاوات والأوز أن ترتبط ارتباطا قويا مع أنواع أخرى - بما في ذلك البشر - لأسباب تخالف المنطق أحيانا. من المغري الاعتقاد بأن البشر وحدهم هم من يقعون في الحب، لكن الشغف الشديد والانجذاب لفرد آخر - انجذابا كثيرا ما يرقى إلى مستوى الهوس بالفرد الآخر - يحدث بين أنواع كثيرة من الحيوانات، وينسجم كلية مع تعريفنا لمعنى «الحب».
التسلسلات الهرمية الاجتماعية لدى الرئيسيات
دائما ما تكون الحيوانات العليا التي تعيش في مجموعات تسلسلات هرمية اجتماعية، حيث يشغل كل فرد موقعا محددا في نظام سلطوي، فيكون أكثر الأفراد سيادة في القمة ويكون أكثر الأفراد خضوعا في القاع. يستطيع الدجاج الأعلى مرتبة أن ينقر أيا من الدجاج الأدنى منه في التسلسل الهرمي، بينما ينقر الدجاج الأدنى مرتبة من الدجاج الذي يعلوه مرتبة وينقر الدجاج الأدنى منه مرتبة. أما أقل الدجاج مرتبة على الإطلاق فهو ينقر حتى الموت لعدم قدرته على الدفاع عن نفسه أو مهاجمة غيره من الدجاج. ورغم أننا نحن البشر قد نرى هذا التصرف وحشيا، فإن القدرة على تكوين تسلسلات هرمية اجتماعية قائمة على فروق الهيمنة والخضوع بين الأفراد هو في الواقع أمر ضروري للحفاظ على السلام والتضافر داخل الجماعة.
تعزز التسلسلات الهرمية الاجتماعية الاستقرار الاجتماعي بطريقة بسيطة للغاية؛ فهي تضمن عدم انخراط أفراد الجماعة في معارك متكررة وهم يتنافسون على الغذاء والأزواج وأماكن النوم وغيرها من الأشياء المشتهاة. فقد تقع مواجهات عنيفة بين أفراد من المرتبة نفسها، لكنها دائما ما تستمر فقط إلى أن يفوز فرد ويخسر الآخر. ويفرض الفائز سيطرته على الخاسر، الذي يصير ويظل تابعا في العلاقة. ومن ذلك الوقت فصاعدا يذعن الفرد التابع للفرد المسيطر متى أرادا الشيء نفسه، سواء كانت فردا جذابا من الجنس الآخر أو قطعة مشتهاة من الغذاء سقطت على الأرض بينهما؛ فقد سويت الخصومات الأصلية بينهما واستقر الأمر، فلن يحدث المزيد من المواجهات أو المعارك أو الإصابات الجسيمة.
अज्ञात पृष्ठ
تميل كل الرئيسيات - بما في ذلك البشر - إلى التصرف بخضوع مع من يكبرونها سنا وبسيطرة مع صغارها، وتميل في الوقت نفسه إلى الصراع والتناحر من أجل الهيمنة مع من يماثلونها مكانة، ولا سيما الأفراد من الفئة العمرية نفسها. تشتد هذه الصراعات من أجل السيطرة لا سيما خلال المراهقة والمرحلة المبكرة من البلوغ، مع تأسيس السلاسل الهرمية الاجتماعية للجيل حديث النضج . تقع أخطر هذه الصراعات من أجل السيطرة حين يهدد وضع الذكر المسيطر المتقدم في السن فردا أصغر منه سنا وأقوى منه بنيانا؛ مما يقلب ويزعزع مؤقتا التسلسل الهرمي الاجتماعي المعروف والمألوف الذي ظل قائما لشهور أو سنوات حتى ذلك الوقت.
رغم أنه قد يبدو من المستغرب ظاهريا أن توصف سلوكيات هرمية مثل السيطرة والخضوع بأنها نوع من الترابط، فالحقيقة أن هذه العلاقات الهرمية غالبا ما تكون مستقرة وطويلة الأمد على نحو بالغ. تشيع التسلسلات الهرمية الاجتماعية بين أنواع الحيوانات التي تعيش في مجموعات؛ لأنها تقلل من المشاحنات بين أعضاء المجموعة، كما توفر آلية تسمح للمجموعة كلها باتخاذ إجراء موحد عند الضرورة.
وتماما مثلما تتنافس السعادين والقردة من أجل السيادة والمنزلة الاجتماعية في تسلسلاتها الهرمية الخاصة، نحن البشر نتنافس أيضا من أجل السيادة والمنزلة الاجتماعية داخل تسلسلاتنا الهرمية في مجالات الفن والعلوم والتقنية والتجارة والحكم والموضة والترفيه والرياضة، لكن بينما يتغير اللاعبون تبقى اللعبة كما هي: تسلسل هرمي اجتماعي مستقر؛ حيث يكون لكل فرد مرتبة معينة، وحيث لا تتواتر المعارك المصيرية، وحيث يعرف الفائزون والخاسرون منازلهم، ويظلون في أماكنهم، لكن مع بقائهم مترقبين لفرصة الارتقاء في التسلسل الهرمي الذي ينتمون إليه.
المجتمع الانقسامي الاندماجي
ثمة نمط مميز بشدة من البناء الاجتماعي المعهود لدى أنواع معينة من الرئيسيات - نمط يشيع بوجه خاص في المجتمعات البشرية، وقد طوره البشر لدرجة كبيرة - يسمى المجتمع الانقسامي الاندماجي؛ ففي هذه الأنواع تنزع الجماعة النشطة إلى التنوع في الحجم والبنية من ساعة لأخرى، ومن يوم لآخر، ومن موسم لآخر. يتفرق المجتمع الانقسامي الاندماجي (في مرحلة الانقسام) إلى أفراد ومجموعات أصغر تنتشر في أنحاء موطنها في أوقات معينة من اليوم، أو في مواسم معينة من السنة، ثم تجتمع معا (في مرحلة الاندماج) في موقع واحد في أوقات أخرى لتكون مجموعة واحدة كبيرة جدا. هذا النمط من المجتمع مألوف بين ثلاثة أنواع من الرئيسيات: (1) السعادين التي تكيفت على العيش على الأرض. (2) والقردة الأكثر قربا لفصيلة أشباه البشر، وخاصة الشمبانزي والبونوبو. (3) والبشر .
في المجتمع الانقسامي الاندماجي كثيرا ما يقضي أفراد المجموعة ساعات النهار منتشرين في أرجاء أراضي موطنهم؛ إذ ينطلق كل فرد أو مجموعة صغيرة سعيا وراء نوع معين من الغذاء النباتي أو الحيواني في الصباح، وبعد ذلك يعود الجميع إلى مقرهم مع اقتراب اليوم من النهاية، مجتمعين التماسا للأمان في أشجار النوم أو المنحدرات أو (في حالة البشر) مواقع التخييم والمساكن. ورغم الاختلافات المتعددة بين المجتمعات البشرية في التنظيم الاجتماعي، فإنها كلها تبدي النمط نفسه من السلوك الانقسامي الاندماجي. استمرار هذا النمط واضح تماما في مجتمعنا، حيث ينتشر أفراد الأسرة عادة كل في وجهته المستقلة خلال النهار، ثم يجتمعون نهاية النهار لتناول الطعام والنوم معا في مسكن واحد مشترك.
ومن المحتمل أنه نظرا لأن تركيب المجموعات المختلفة يتغير باستمرار - إذ يتكون كل منها من خليط مختلف من الأفراد الملائمين لوقت من اليوم أو لفصل من السنة - تكون الأنواع التي تمارس هذا النمط الانقسامي الاندماجي أيضا أكثر عرضة للتفاعل بل والامتزاج بمجموعات أخرى من حيز حيوي آخر. تشتهر قردة الشمبانزي بالمناسبات الدورية التي تمارس فيها مجموعتان منفصلتان ومستقلتان نوعا من الاندماج المؤقت وتختلطان كمجموعة واحدة لساعات في كل مرة، فيتفاعل أفراد المجموعتين في حماسة بالغة، ويستعرض الذكور في كل مجموعة مظاهر الهيمنة: بالصياح والصراخ والاندفاع في الأنحاء، وأحيانا بكسر فروع الأشجار والتلويح بها في شراسة أثناء استعراضها. وبعد فترة تفتر الحماسة، ويتفرق أفراد المجموعتين المختلفتين، ويجتمع أفراد المجموعتين الأصليتين من جديد، وتمضي كل مجموعة من المجموعتين إلى حال سبيلها.
ولا تؤدي استعراضات الهيمنة وظيفة تحذير الذكور الآخرين فحسب، وإنما تستخدم أيضا وسيلة لجذب الإناث النشطات جنسيا من المجموعة الأخرى، على أمل إقامة علاقات جنسية مع واحدة منهن. وحين تحدث هذه العلاقات بالفعل قد تستمر حتى بعد أن تجتمع المجموعات الأصلية مجددا وترحل في وجهاتها المختلفة؛ مما يؤدي إلى رحيل الإناث الأصغر سنا الأقل مقاما عن المجموعة التي ولدن فيها للانضمام إلى أزواجهن الجدد في المجموعة الجديدة. وهذه سنة أصيلة في التزاوج بين الرئيسيات تسمى «تزاوج الأباعد» الذي سيناقش لاحقا في هذا الفصل.
الإنويت أو الإسكيمو الذين عاشوا في شمال الدائرة القطبية الشمالية، دأبوا على قضاء صيف القطب الشمالي القصير في البحث عن بيض الطيور والتوت والطرائد الصغيرة في مجموعات أسرية صغيرة متفرقة على مساحات واسعة في أرجاء أراضي التندرا الرخوة، لكن في الشتاء كثيرا ما كان يتطلب صيد الطرائد الكبيرة مثل الوعل والفقمة والفظ التعاون بين أسر عدة. خلال هذا الوقت من العام كان الإنويت يبنون أكواخا جليدية متلاصقة في موقع محمي، مقيمين مخيمات شتوية تضم العشرات أو المئات من الناس الذين كانوا كثيرا ما يجتمعون معا للقيل والقال، ومشاركة الخبرات، ورواية الحكايات الشعبية المتوارثة، وممارسة الطقوس التقليدية لأسلافهم.
كانت قبائل البوشمان - الصيادون وجامعو الثمار في صحراء كالاهاري بأفريقيا الاستوائية - تنتشر في مجموعات أسرية على مساحات شاسعة خلال موسم الأمطار، حين تتوفر المياه ويسهل العثور عليها، لكن خلال موسم الجفاف كانت تلك القبائل تتجمع في مخيمات تضم عشرات الأسر، حيث تستقر بعضها بالقرب من بعض في جوار ينابيع الماء الدائمة القليلة، ويقضي أفراد كل أسرة الوقت في التفاعل مع أفراد الأسر الأخرى، بينما ينتظرون هطول الأمطار مجددا.
अज्ञात पृष्ठ
في مجتمعنا الحديث كثيرا ما تعيش الأسر الممتدة متناثرة على مساحات جغرافية كبيرة، إلا أنها لا تألو جهدا للاجتماع دوريا من أجل المناسبات الاحتفالية المعتبرة في تقاليدنا الثقافية، مثل العطلات وأعياد الميلاد والأعراس واحتفالات الذكرى السنوية والجنازات؛ فقد خلقت الحضارة الحديثة تنوعا معقدا من المجموعات المتداخلة والمتشابكة المتصلة بمجالات عديدة مختلفة من الحياة البشرية، وقد صار كل هذا ممكنا بفضل التعقيد البشري الهائل في المجتمع الانقسامي الاندماجي.
فنحن أفراد في أسرنا المصغرة المكونة من أبوين وأبناء، وكذلك في الأسر الأكبر الممتدة التي تضم الأجداد والعمات والأعمام وأبناء وبنات العمومة وبنات الأخ والأخت وأبناء الأخ والأخت والأحفاد، كما ننتمي إلى عدة مجموعات أخرى تحددها المجتمعات التي نعيش فيها، والمدارس التي نرتادها، والمهن والتخصصات التي نزاولها، والمؤسسات التي نعمل لديها. ونحن نولد في أسرة ذات هوية عرقية معينة (أو خليط من الهويات العرقية)، وكل من هذه الهويات العرقية يتصل بإقليم جغرافي ولغة وتاريخ ودين وغذاء ومنظومة قيم ونمط ملبس معين.
3
أخيرا، نحن نعبر عن فرديتنا، ونشبع اهتماماتنا الشخصية الفريدة بالانضمام عمدا إلى واحدة أو أكثر من آلاف الجماعات التطوعية التي انتشرت في العصور الحديثة، ومنها الجماعات الدينية والأحزاب السياسية والمنظمات الخيرية والنوادي الاجتماعية والجمعيات المهنية المتعددة التي نشأت في مجالات العلوم والطب والتكنولوجيا والتجارة والرياضة والترفيه والفنون، وكل مجال آخر من مجالات السعي الإنساني.
لكل من هذه الجماعات البشرية المتعددة متطلبات للعضوية والتزامات محددة تطلب من أعضائها. لم يكن المجتمع البشري كما نعرفه ليوجد لولا الشغف الفطري لدى الرئيسيات بهوية الجماعة، وبالتضامن جنبا إلى جنب مع مرونة المجتمع الانقسامي الاندماجي؛ إذ تسمح لنا غريزة الهوية الجماعية بتكوين جماعات ذات تماسك كاف للتآزر مع شعور بالتضامن والعمل معا لتحقيق أهداف مشتركة. وتسمح غريزة الانقسام والاندماج لجماعات عديدة بالانتشار داخل مجتمع واحد، مع تعريف كل منها بطريقة مختلفة، وتلبية كل منها لمجموعة مختلفة من الاحتياجات الاجتماعية.
حين نتتبع تطور الإنسان الحديث وتطور مجتمعات بشرية متزايدة التعقيد، نرى كيف أتاحت مرحلة الاندماج من دورة الانقسام والاندماج لنوعنا صوغ أشكال جديدة من التضامن داخل جماعات بشرية متزايدة الحجم. تضم الأمم الحديثة والحركات السياسية آلاف أو ملايين الأعضاء، لم ولن يلتقي أغلب أعضائها، إلا أنهم يعرفون أنفسهم مجتمعين على أنهم ينتمون للجماعة نفسها ويعيشون في دائرة واحدة من الثقة.
لقد تميز تاريخ نوعنا في واقع الأمر بأنماط متزايدة الحجم من الاندماج، بدأت تظهر حين نشأت هويات قبلية لدى الصائدين جامعي الثمار، وتوسعت ثانية حين بدأ أفراد القبائل المختلفة يعيشون معا في قرى وبلدات ودول مدن، وتوسعت أخيرا لتبلغ حجمها الحالي حين تحولت آلاف من الدول المدن إلى نحو مائتي دولة قومية، حيث من المألوف أن يصل عدد أعضاء جماعتنا إلى ملايين وعشرات الملايين.
تزاوج الأباعد وحظر سفاح المحارم لدى الرئيسيات
رغم تضامن الجماعة المعهود في الرئيسيات - والعلاقات العدائية التي تنشأ بين مجموعات الرئيسيات - تتزاوج أغلب الرئيسيات بانتظام مع أفراد المجموعات المنافسة؛ إذ دائما ما يترك الحيوان المراهق من رتبة الرئيسيات جماعة أمه ويبحث بهمة عن صداقات وعلاقات جنسية مع أفراد جماعة أخرى، وينال القبول بصفته عضوا دائما في النهاية. يسمى هذا تزاوج الأباعد - أي «التزاوج من خارج الجماعة» - والذكور بين أغلب الرئيسيات هم الذين يغادرون جماعتهم الأصلية من أجل الانضمام لجماعة أخرى، وهذه هي الظاهرة المعروفة بتزاوج الأباعد الذكوري.
من ثم، أكثر أنواع جماعات الرئيسيات شيوعا تتكون من نواة أساسية من الإناث اللواتي تربطهن ببعضهن بعضا صلة قرابة كأمهات وأخوات وبنات. تقضي هؤلاء الإناث حياتهن كلها معا، ويألف بعضهن طبائع بعض، ويبحثن معا عن الغذاء، ويتشاركن بعض أطفالهن معا، وقد أنشأن منذ زمن طويل تسلسلا هرميا اجتماعيا مستقرا يعزز التعاون والعلاقات السلمية داخل المجموعة.
अज्ञात पृष्ठ
لكن بعض أنواع الرئيسيات - وعلى الأخص قردة الشمبانزي - تمارس العكس تماما: تزاوج الأباعد الأنثوي. فيظل ذكور الشمبانزي في المجموعة التي ولدوا فيها، وتربطهم علاقات دائمة ليس مع أمهاتهم فقط، وإنما مع آبائهم وأخواتهم وأبنائهم أيضا. أما إناث الشمبانزي فيهممن بالانسحاب بالتدريج بعيدا عن مجموعتهن الأصلية عند بلوغ مرحلة النضج، ويسعين لإقامة علاقات جنسية وصداقات أخرى مع أعضاء جماعة مختلفة تماما، وعند الاستمرار في هذا يكسبن في نهاية المطاف قبول الذكور وإناث الجماعة الجديدة، وأخيرا يصرن حبليات وينجبن أطفالا. وبينما تكبر بناتهن وترحل بعيدا يبقى أبناؤهن بصحبتهن ما تبقى لهن من العمر.
تنعكس ممارسة الرئيسيات العامة لزواج الأباعد على التكوين الاجتماعي لكل المجتمعات البشرية، وإن كان يتخذ عدة أشكال مختلفة، من بينها زواج الأباعد الذكوري والأنثوي. مارست المجتمعات الريفية التقليدية في الصين والهند شكلا صارما من أشكال زواج الأباعد القروي على أساس مكان الإقامة؛ ففي هذه القرى الزراعية كان الذكور يمتلكون كل الأراضي والمساكن ويورثونها لنسلهم من الذكور حصرا. بناء على هذا لم يكن الرجال يغادرون القرى التي ولدوا فيها قط، في حين كانت النساء - اللواتي كانت أملاكهن مقتصرة على مقتنيات قابلة للحمل مثل الملابس والمصاغ والأثاث - يغادرن قراهن الأصلية للأبد عند الزواج، ويقضين بقية حياتهن في قرى أزواجهن. لكن في قرى جزر بولينيزيا التقليدية، كانت النساء يمتلكن الأرض والمساكن ويورثنها لنسلهن من الإناث حصرا؛ ومن ثم كان الذكور هم من يرحلون عن قراهم الأصلية عند الزواج لقضاء بقية حياتهم سكانا في قرى زوجاتهم.
بالإضافة إلى هذه الأشكال من زواج الأباعد القائم على أساس مكان الإقامة، تستلزم كل الثقافات البشرية شكلا من زواج الأباعد ينطبق على علاقات القرابة، وهو حظر البشر بوجه عام لسفاح المحارم. يقتضي حظر سفاح المحارم أن يختار الرجال والنساء شركاء من خارج مجموعة أقاربهم. وتعرف مجموعة الأقارب في مجتمعنا تعريفا دقيقا جدا بأنها الأسرة المصغرة المكونة من الوالدين والأبناء، وبدرجة أقل إلى حد ما الأسرة الممتدة من الأعمام والأخوال والعمات والخالات وأبناء وبنات الأعمام والأخوال، لكن في الثقافات القبلية حيث علاقات القرابة أهم وأعقد منها في مجتمعنا، كثيرا ما يقوم حظر سفاح المحارم على انتماءات قبلية قد تصف المئات بل وآلاف العلاقات الجائزة بأنها سفاح قربى؛ ومن ثم تحظرها تماما.
يفيد زواج الأباعد مجتمعات الرئيسيات بطريقتين؛ فهو أولا يضمن استمرار التمازج الجيني بين الجماعات التي تعيش في مناطق متجاورة، حتى وإن كانت هذه الجماعات يعادي بعضها بعضا، وهذا من شأنه أن يقلل تزاوج الأقارب، بآثاره الضارة. وثانيا يضمن زواج الأباعد أن يكون داخل كل جماعة الكثير من البالغين الذين ولدوا في جماعات أخرى وتربطهم بالفعل علاقات بأصدقائهم وأفراد أسرهم الذين هم أعضاء في جماعات أخرى.
وتساعد هذه الصلات بين الجماعات المختلفة وكثيرة التناحر على تقليل المشاحنات والعنف بين جماعة وأخرى. وفي العديد من المجتمعات القبلية والريفية اعتادت بعض العشائر والقرى أن تتصاهر مع بعض العشائر والقرى الأخرى. كان من شأن هذا العرف الذي استمر لأجيال أن ينتج شبكة من العلاقات الاجتماعية تربط بين الجماعات، وتقلل المشاحنات بينهم، وتوفر لهم حلفاء مهمين في حالة التعرض لهجوم من جماعات معادية.
الصيد والحروب لدى الرئيسيات
كانت السعادين والقردة تعتبر قديما جامعات للثمار مسالمة تعيش على نظام غذائي نباتي تكمله أحيانا بالحشرات أو بيض الطيور أو الزواحف الصغيرة، لكن في السنوات الأخيرة اكتشفت الدراسات الميدانية التي أجريت على الرئيسيات في موائلها الطبيعية أن عددا منها - بما يشمل الفرفت والماكاك والميمون والبابون وإنسان الغاب والشمبانزي - يصطاد ويقتل حيوانات أخرى من ذوات الدم الحار، ومن بينها رئيسيات أخرى.
قد تكون قردة الشمبانزي أنجح الصائدين بين كل الرئيسيات غير البشرية؛ فقد رصدت قردة الشمبانزي وهي تصطاد وتقتل تسعة عشر نوعا على الأقل من الثدييات، منها الخنازير البرية والظباء وعدة أنواع من القردة (فريستها المفضلة). فقد وجد أن إحدى مجموعات الشمبانزي تقتل بصورة روتينية أكثر من عشرة في المائة من قردة كولوبس الحمراء التي تعيش في منطقتها كل عام، وهو معدل قتل مساو لمعدل القتل لدى الضباع والأسود. عادة ما ينفذ عملية الصيد مجموعة من الذكور البالغين، الذين يتعاونون في ملاحقة الفريسة ومحاصرتها حتى يتمكنوا من الاقتراب منها لدرجة كافية ليجهزوا عليها. هذه إجمالا هي الطريقة نفسها التي يستخدمها الصيادون من البشر حول العالم، مع اختلاف واحد مهم: يجب أن يقتل الشمبانزي فريسته عن طريق عضها بأنيابه الطويلة الحادة كالموس وتمزيقها بأياديه المجردة، أما الإنسان فيقتل فريسته بأسلحة مصنعة يمكنها إيقاع إصابات قاتلة عن بعد؛ تجنبا لمخاطر التلاحم.
حتى وقت قريب كان يعتقد أن البشر وحدهم بين جميع الرئيسيات يشاركون في العنف القتالي ضد أفراد من نوعهم، وكان يعتقد في وقت سابق أن السلوكيات من عينة القتل والحرب وأكل المثيل غير معروفة بين مجتمعات القردة والسعادين التي هي نباتية بدرجة كبيرة (والأكثر مسالمة حسبما يفترض)، لكن دحضت الدراسات الميدانية التي أجريت على الرئيسيات في موطنها الطبيعي الرأي السابق دحضا تاما؛ فعلى مدى عشرة أعوام روقبت مجموعة عدوانية للغاية من قردة الشمبانزي في أوغندا وهي تقتل ثمانية عشر عضوا في جماعات منافسة، وهو معدل قتل أكبر بعدة أضعاف من متوسط معدل القتل لدى البشر من الصيادين وجامعي الثمار. وقد وثقت دراسات أخرى عديدة عدة حالات من القتل وقتل الأطفال وأكل المثيل بين مجموعة متنوعة من أنواع الرئيسيات.
من بين كل السلوكيات العنيفة التي كان يعتقد في الماضي أن البشر ينفردون بها، ربما كان الأكثر إدهاشا هو اكتشاف قدرة جماعات معينة من قردة الشمبانزي على شن حملات متواصلة من العنف ضد جماعات مجاورة هدفها النهائي احتلال أجزاء من أرضها وادعاء ملكيتها لها. هذا النوع من «الحروب» مشابه إلى حد لافت للغارات التي كان يقوم بها الصيادون جامعو الثمار والقرويون المزارعون حول العالم.
अज्ञात पृष्ठ