فتحسست بنصر يمناها في حياء وغمغمت: ثمة أمور لم تزل ناقصة ...
وفهم ما تشير إليه في استياء لم يدر سببه، لم يكن ثمة شيء مستغرب فيما يطلبون ومع ذلك حنق عليهم جميعا، وركبه شعور المطارد إذا تهدده خطر، وتفرس في وجهها وهو يذكر ما قال زملاؤه عنها في الأتوبيس وقال لنفسه: «فتاة طيبة، ولكنها ليست أهلا لأن تكون زوج ضابط مثلي، ولو تم هذا الزواج لكان الأول من نوعه!» ثم قال لها في هدوء باسم: هذه أمور لا وزن لها. - ولكنها هامة جدا في نظر الناس؛ فطالما تساءل أقاربنا عن الخاتم!
وعجب لحماسها، وتمنى لو كانت تعلن عن بعض هذا الحماس في الحب. «ولكنها تريد أن تتزوجني لا أن تحبني، هذا سر برودها وتحفظها، وإذا لم يكن حب، بل وحب قهار جنوني، فما الذي يغريني بالزواج منها؟!» وقال: لا داعي للعجلة، ستتحقق آمالنا في الوقت المناسب. - ومتى يكون هذا الوقت المناسب؟
فقرب ما بين حاجبيه كأنه يفكر، وقال: أظن إذا رقيت إلى رتبة الملازم أول أصبح في وسعي أن أفتح بيتا مع معاونة أهلي الذين لا يستغنون عني كما تعلمين.
وبدا في وجهها الوجوم، وجعلت تقرض ظفرها حانية الرأس خابية العينين. ومع أنه ارتاح لتصريحه الذي مد له في حريته إلا أنه رق لمنظرها، وجرى بصره على جسمها فدق قلبه وتناسى أفكاره ومخاوفه وحنقه فنهض إليها، وجلس إلى جانبها على الكنبة، ولكنها تباعدت إلى نهاية المقعد، وحالت دونه بساعديها قبل أن تذهب روح المقاومة الطارئة مسحة الحزن من عينيها، وقبض على ساعديها وهوى على كفيها يقبلهما، حتى قامت مبتعدة عنه وهي تهتف: دعني .. دعني .. لم تعد كما كنت!
وقام في أعقابها مدفوعا بفورة إحساسه وجنون أعصابه وطوقها بذراعيه وأطرافه ترتعش، ودافعته بقوة فهوى بفيه إلى شفتيها فأمالت رأسها إلى الوراء فمست شفتاه طرف ذقنها، ثم تملصت من ذراعيه ووقفا وجها لوجه وهما يلهثان، وصاحت به بصوت متهدج: لا تهجم علي غصبا!
وانقلبت شهوته غضبا، فحدثته نفسه بهجر الحجرة، وسار خطوتين صوب الباب، ثم تحول إليها بغتة وقد انقلب غضبه شهوة جنونية فانقض عليها مصمما على إرواء عواطفه، وطوقها بذراعيه رغم مدافعة يديها، وضمها إلى صدره بعنف ووحشية، ثم طبع شفتيه على شفتيها، وكلما مالت بوجهها عنه أتبعها وجهه لازقا فاه بفيها، ملاقيا دفعات مقاومتها بقوة وحشية، حتى سكنت بين ذراعيه في شبه إغماء. ولم يبال خورها فراح يضمها إلى صدره حتى استشعر طراوة جسمها اللدن على بطنه وفخذيه، فتسرب إلى إحساسه في ارتياح عميق كأنه كشف جديد عن لذة الحياة، وندت عنها مقاومة طارئة ضعيفة كصحوة الموت، ولكنه قضى عليها بوحشيته، وجن انفعالا وتطلعا واستزادة، وانصهر قلبه وسرى ذوبه في أعصابه باعثا لذة خيالية، ثم انهارا في تسليم متوقع مفاجئ معا، وأفاق كمن يفيق من حلم فوجدها بين ذراعيه وشفتيه على خدها، ولما شعرت بذراعيه تتراخيان عنها دفعته في صدره متراجعة وقالت وهي تتنهد في صوت ضعيف: لن أصفح عنك.
ولم يترك قولها في نفسه أثرا، لا حسنا ولا سيئا، فلم يأبه لها وكأن إحساسه تجاهل وجودها. شعر بظفر وارتياح، ثم غلبه عليهما فتور فتراجع إلى مقعده الأول وجلس عليه في دهشة. ولبثت هي بموقفها كالمترددة ثم عادت إلى مجلسها في استياء وراحت تعاتبه وتعنفه دون أن يلقي إليها بالا، ورنا إليها بغرابة وساءل نفسه: أهذه هي؟ أهذا أنا؟ أين هي وأين أنا؟ ثم ران عليه فتور ثقيل أكثر مما يحتمل.
وجعل يصغي إليها دون أن يحمل نفسه مشقة الاعتذار، وانتهز فرصة حضور أمها فجالسها دقائق ثم قام مستأذنا في الانصراف. ولما غادر الشقة شعر برغبة في الهرب، وحينذاك عاودته فكرة السفر إلى طنطا فابتسم لها في ترحاب وحماس.
73
अज्ञात पृष्ठ