बीच धर्म और दर्शन
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
शैलियों
94
وأخيرا في هذه الناحية نذكر أن ابن طفيل انتهى إلى ما انتهى إليه أسلافه من أن الناس طبقات، منهم من لا يطيق معرفة الحقائق بذاتها عارية، فالخير له الانتفاع بالشريعة وما ضربته لهذه الحقائق من رموز وأمثال، وإلا ساء أمره ووقع في الضلال إن حاول المعرفة الحقة السافرة، ومنهم الذين وهبوا استعدادا وعقلا ارتفعوا به عن العامة وأمثالهم، وهؤلاء تفيدهم المكاشفة بالحقائق ذاتها.
وقد تبع ذلك طبعا أن قرر كأسلافه أيضا أن هناك تعاليم ظاهرة وأخرى خفية يجب التمييز بينها، وأن يجعل كل نوع منها لطائفة خاصة لا يصلح أمرها إلا بها، وبهذا لا يصطدم الدين بالفلسفة بل يتقرر بينهما الوئام والسلام. •••
وأخيرا بعد عرض ما كان قبل ابن رشد من جهود سابقيه من فلاسفة الإسلام ومفكريه، في المشرق والمغرب، في محاولة التوفيق بين الحكمة والشريعة، نرى أنه لا بد من الإشارة إلى ظاهرة يلمسها الباحث، ثم إلى تعليلها.
وذلك أنه لم نعرف أن أحدا من أولئك في المشرق قد عني بتخصيص رسالة من مؤلفاته لهذه الغاية، على حين نجد هذا في المغرب، مثل «حي بن يقظان» لابن طفيل، وبعض المؤلفات التي خصصها ابن رشد لهذه الغاية.
ولتعليل هذا ينبغي أن نلاحظ أنه مهما يكن صادقا القول بأنه قبل التفلسف يجب أن يعمل الفيلسوف على أن يكون له الحق في أن يعيش آمنا، فإن الفلاسفة في المشرق لم يحسوا إحساسا قويا هذه الحاجة لتأمين حياتهم كما أحسها إخوانهم في المغرب.
إن أولئك الفلاسفة المشارقة كالكندي مثلا، كانوا يعيشون في عهد الخلفاء العباسيين الذين عرفوا بحرية الفكر وحماية المفكرين، ولما جاء المتوكل العباسي عام 232ه/847م، وأخذ في اضطهاد أصحاب الفكر الحر، صادف أن وافق هذا الانقلاب في السياسة العلمية - إن صح هذا التعبير - ضعف سلطان العباسيين وظهور دويلات في قلب الدولة الإسلامية، وتبع ذلك تفرق العلم وطلابه والفكر ورجاله في مراكز متعددة تابعة لأمراء يجد الباحثون لديهم كثيرا من التشجيع.
95
ومن هذه الدويلات الدولة السامانية ببخارى ومؤسسها نصر بن أحمد الساماني، والحمدانية بحلب ومؤسسها سيف الدولة الحمداني.
وهكذا كان تجزئة الدولة الإسلامية من صالح المفكرين والفلاسفة الذين كانوا يجدون رعاية من أمراء تلك الدويلات، ومن مثل ذلك الفارابي وسيف الدولة الحمداني
अज्ञात पृष्ठ