فقاطعها البارون عن الكلام وقال: إن مكسيم غدا كواحد منا، وعليه فلا تلقبيه بعد بحضرة أو بسيادة، فقالت: سأبذل جهدي في أن أسميه كما تريد.
ولما سمعت ذلك قلت في نفسي: لله در النساء من ماكرات خادعات.
وبعد الغداء قال لي البارون: إن القدماء كانوا إذا رغبوا في إظهار ودهم لأحد شربوا كأس خمر على نخبه، وأنا إظهارا لحبك أدعوك معي لنشرب على نخب بعضنا.
فانفتحت عيناها وانتفخ أنفها وقالت: وأنا أذهب معكما، فأجابها: إن البار مختص بالرجال ولا يدخله نساء.
ففركت حاجبها كأنها تفكر في أمر، وإذ رأت زوجها خارجا مع الخادم قالت لي بصوت خفي: ارفض طلبه. - وبما أعتذر إليه؟ - لا يهمني ... أجد عذرا؛ لأن المكان الذي تذهب إليه فيه نساء ... وأنا لا أطيق أن أراك مع غيري. - لكن الأدب يدعوني لأن أقبل طلبه وأشرب على نخبه، فهل تحبين أن أعرضه للشكوك؟ - إذن اذهب ولكن مع الحذر ... ولاقني في الساعة العاشرة إلى شارع كوبنهاك.
ثم عاد فركنباك وبرنيطته على رأسه، وقبل أن يدخل أمسكت قطعة من النسيج وجعلت تقلبها بطنا لظهر؛ لتخفي اضطرابها وتشغل أفكارها.
فجعل فركنباك يده بيدي وسار بي للحانة، وبينما كنا على الطريق قال لي بعبارة ودية: إن الوظيفة التي رفعتك إليها تقضي بتوفير علاقاتي معك، وبإيقافك على خبايا ضميري، وقد قال المثل: الملك ملك على غير خادمه؛ كذلك الرئيس رئيس غير عين في أهله، وعليه فأنا أحب أن أقص عليك كل ما في ضميري؛ اعتقادا أنك أمين، وأنك تعاملني بالمثل فتقص علي كل ما في ضميرك.
فوعدته بذلك، فقال: إذن أثق بك؟ قلت: نعم، قال نحن الآن ذاهبون إلى حانة بينيون، وبما أن وجود اثنين في حانة بغير نساء مستقبح، فقد رأيت أن ندعو إلينا ابنتين جميلتين فنغازلهما، وإخالك من شبان هذا العصر الذين لا يكرهون ذلك، فقلت: حسب أمرك.
وقال ضاحكا: وإياك أن تغازل غادتي؛ لأن صحبتي معها بعيدة العهد، ولو كنت اكتفيت عنها بامرأتي ريتا، لوجب علي أن أصوم صوم القديسين، وأنا رجل شهواني مولع بالنساء، أما حبيبتي هذه فتدعى جوزيفا، وهي جميلة الوجه، غضة الوجنتين، بارعة بالرقص، تخلب العقل برقتها، وتسحر القلوب بخلاعتها ... ولكن قد صرنا على باب الحانة وها أنا أدخل أمامك؛ لأدلك على الطريق.
وإذا بالخادم مسرع فأدخلنا إلى قاعة خصوصية، فأمره البارون أن يدعو جوزيفا مع إحدى رفيقاتها، فذهب الخادم وبعد هنيهة أقبلت جوزيفا تمشي الهوزلي، كأنها ترقص، وقبلته قبلة دوى منها البيت، ورأيت جوزيفا صغيرة السن، شقراء الشعر، غير عبلة، ذات فم أحمر كأنه قطعة ياقوت، فضمها البارون إليه وصرف إليها السمع والبصر وقال لها: أتسمحين لي أن أعرفك بكاتم أسراري الجديد المسيو مكسيم جوشران. - إذن سافر وليم. - سافر ليتزوج ذاك المجنون. - وأنا لا أهوى سوى المتزوجين نظيرك. - أما كاتم أسراري فإنه خير خلف لخير سلف.
अज्ञात पृष्ठ