إن ريتا تحبني بلا مراء، أما أنا فلا أدري إن كنت أحبها مثل حبها لي ...
الفصل السابع
قال لي لامبون: يا مكسيم إن للبارون كلاما يقوله لك، وقد أمرني أن أعلمك بذلك وقت حضورك لتسرع إليه في غرفته.
فارتعدت فرائصي، وغدوت كأن حجرا وقع من شامخ على دماغي فرضه، كما سقطت قطعة من جبل على رأس ثور فخارت قوى ساقي، وكأن سحبا عشت عيني فقال لي لامبون إذ رأى اضطرابي وانقلاب وجهي: ما بدا لك أراك مضطربا؟ فقلت: إني تعب وعندي حمى خفيفة لا أعلم سببها، فقال: سببها أنك تماديت مع النساء ليلة أمس - هذا بالطبع - فابق إذن هنيهة؛ ريثما يهدأ روعك ويسكن قلبك.
فقلت في نفسي لو كان في نية البارون أن يكلمني بشيء مما أظن، لما كان أرسل إلي لامبون ليدعوني إليه، وأظن ذلك لعلاقة في الشغل، وإذا كان العكس وفرضنا الممكن فهل لي سبيل إلى الهرب من انتقامه؟ وهل لي نجاة بالاضطراب والخوف؟ إذن يجب أن أذهب إليه بشجاعة.
فلما رآني هش بي وأجلسني إلى جانبه، وقال مضى عليك أربعة أشهر في خدمتي ولم أقل لك كلمة تنشيط، ولم أسمعك كلمة شكر على خدماتك الجليلة، ولا جرم أنك استغربت ذلك، وربما أنك نسبته لعدم تقديري المستخدمين قدرهم، على أني فعلت ذلك لأستقصي أخلاقك وصبرك، ولأختبر مقدار نشاطك، وقد سرني جدا ما رأيته فيك من الأخلاق الرضية، والذكاء، والاجتهاد، وقد رأيت أن أكافئك على ذلك بأن أصيرك كاتم أسراري بدلا من وليم، فهل تستطيع أن تقوم بأعباء هذه الخدمة؟ - أسأل الله أن يقدرني على خدمتك وإعانتك، وسوف أبذل جهدي لإرضائك. - كان راتب وليم ستة آلاف فرنك، وهذا الراتب نفسه يكون لك؛ لأنك عزيز عندي، وهذا مكتبك بقرب مكتبي فاجلس وابدأ في شغلك من الآن، وأحب أيضا أن كاتم أسراري يجيء للشغل باكرا. - حسب أمرك. - كان وليم إذا ذهب الظهر لتناول الطعام يعود بعد ساعتين، ومع أن هذه الفرصة واجبة لراحته، فإنها كانت تسوءني؛ لأني كثيرا ما احتجت إليه في خلالها والتزمت أن أبقي الأشغال لحين مجيئه، وإذا كان لا فرق عندك أن تأكل معي في بيتي بدلا من أن تأكل في بيتك فإنك تسرني جدا. - كاتم أسرارك يا سيدي لا يجد سبيلا لمخالفتك، ولو كان في سرورك الموت لاشتهاه.
فسر لهذا الجواب، وقال: أشكرك لعواطفك الشريفة، فما كنت أنتظر منك أقل لطافة وحلاوة، خذ هذه الأوراق وانظر إلى الشروح التي على هوامشها، وأجب على كل بالسلب أو بالإيجاب حسب ملاحظاتي، وإذا صعب عليك شيء فاسألني لأفيدك.
فجلست على مكتبي وأنا لا أكاد أصدق أني في يقظة ولشدة فرحي جعلت أقرض كفي، وبدا لي المستقبل زاهرا بلون ربيعي جميل، وهبت علي ريح مناسبة ملأت شراع أملي.
ثم كتبت كتابا لعمي أخبره فيه عن مصلحتي الجديدة، وأصف له سلوكي الحسن واجتهادي في خدمة فركنباك، ولو علم ذاك العم المسكين بحقيقة حالي لحملني على العوالي، وكان جل ما كتبته له إطراء بسلوكي، وحلفا بأني أسعد من على الأرض.
فأرسل البارون إلى ريتا يخبرها أني صرت كاتم أسراره، ويرجوها أن تعد لي كرسيا على مائدته، ولما كان الظهر ذهبت معه إلى البيت فقابلتنا ريتا بوجه باسم، وقالت: أهلا بحضرتك ومرحبا، إني أهنئك بهذه المصلحة الجديدة، ويسرني جدا أنك ستشاركنا في تناول الطعام على مائدتنا وقد ...
अज्ञात पृष्ठ