ومذهبه من فلان في طريقته التي ذهبها في شعره، وذلك بأن تتأمل نمط كلامه في نوع ما يعنى به ويصفه، وتنظر فيما يقع تحته من النعوت والأوصاف، فإذا وجدت أحدهما أشد تقصيًا لها، وأحسن تخلصًا إلى دقائق معانيها، وأكثر إصابة فيها حكمت لقوله بالسبق، وقضيت له بالتبريز على صاحبه، ولم تبال باختلاف مقاصدهم وتباين الطرق بهم فيها.
قلت: وإذا أنت وقفت على شروط المعارضات ورسومها، وتبينت مذاهبها ووجوهها علمت أن القوم لم يصنعوا في معارضة القرآن شيئًا، ولم يأتو من أحكامها بشيء بتة. والأمر في ذلك بين واضح لا يخفى على ذي مُسكة ذكي والحمد لله.
فيقول الآن لصاحب الفيل: يا فائل الرأي، أين ما شرطناه من حدود البلاغة فيما جائت به من الكلام، وأين ما وصفناه من رسوم المعارضات فيما هذيت من جهلك وضلالتك، افتتحت قولك بـ: " الفيل ما الفيل وما أدراك ما لفيل ... " فهولت وروعت، وصعدت وصوبت ثم أخلفت ما عدت وأخدجت ما ولدت حين انقطعت، وعلى ذكر الذنب والمشفر اقتصرت، ولو كنت تعرف شيئًا من قوانين الكلام وأوضاع المنطق ورسومه لم تحرف القول على جهته، ولم تضعه في غير موضعه. أما علمت يا عاجز أن مثل هذه الفاتحة إنما تجعل مقدمة لأمر عظيم الشأن فائت الوصف متناهي الغاية في معناه، كقول الله تعالى: ﴿الحاقَّة، ما الحاقَّة، وما أدراك ما الحاقّة﴾ و﴿القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة﴾ فذكر يوم القيامة وأتبعها من ذكر أوصافها وعظيم أهوالها ما لاق بالمقدمة التي أسفلها وصدر
1 / 66