बटल फतीफ इब्राहिम
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
शैलियों
ووصل إبراهيم بجيشه إلى دمشق، فبلغه من شريف باشا حاكمها أنه لما بلغ أهلها خبر فتنة فلسطين بدت عليهم علائم الاضطراب، فأرهبهم بالقبض على المهيجين، وجمع منهم نحو خمسة آلاف بندقية وسيف. وأمر إبراهيم بمضاعفة الطلب، وظهرت بوادر الفتنة في طرابلس؛ حيث اكتشفوا مؤامرة على حاميتها وعددها 400 جندي، فأرسل محمد علي قبل سفره من يافا إلى الأمير بشير أن يرسل ابنه الأمير خليل ليتحد مع المتسلم سليم بك على تأديب الثوار. ولما وصل الأمير خليل برجاله إلى طرابلس، قبض على 25 رجلا من الجانحين إلى الفتنة واعتقلهم بالقلعة. ووصلت الأوامر من إبراهيم باشا وهو في دمشق بإعدام زعماء الثورة، فأعدم ثلاثة عشر منهم، واتجه الأمير خليل ومتسلم طرابلس إلى بلاد عكار وصافيتا، فقبضوا على الزعيمين أسعد بك المرعب وأسعد بك الشديد، وعلى ولدين من أولاد محمد بك القدور، وعلى 30 شخصا من الأعيان. وهكذا فعلوا في جهة صافيتا واللاذقية، فهدأت الفتن في هذه الجهات.
بعد أن انتهت فتن فلسطين وصافيتا وعكار للأسباب التي بسطناها وعلى الوجه الذي بيناه، وصل إلى إبراهيم باشا - وهو في المزيريب قاصدا إلى دمشق - أن النصيرية هاجموا آلايا من جيشه وهو ذاهب من اللاذقية إلى حلب، فهزموه وفتكوا بنصف رجاله في كمين كمنوه له في الطريق، وأكرهوه على التقهقر إلى الساحل، وأنهم هاجموا بعد ذلك مدينة اللاذقية، فنهبوا أملاك الحكومة والمسيحيين، وحصروا المتسلم سعيد أغا العينتابي في داره، فأصدر أمره إلى سليم بك بأن يقوم بقوته من طرابلس إلى اللاذقية لتأديب العصاة، وكتب إلى الأمير بشير الشهابي بأن يرسل أحد أولاده بقوة لبنانية لإخماد الثورة، فأرسل الأمير بشير ابنه الأمير خليل على رأس جيشه، وأرسل بعض أبناء عمه الأمراء مع رجالهم من وادي التيم للغرض ذاته. ولما وصل الأمير خليل إلى قرية البهلولية، فر النصيرية من وجهه، فغنم مواشيهم وما يملكون، وأحرق 15 قرية من قراهم، وتقدم سليم بك من هناك، فصدمه الثوار صدمة شديدة، فارتد عنهم، وأرسل إلى الأمير خليل لينجده، فأرسل إليه النجدات، وعلى رأسها أحد أولاد عمه الأمير جهجاه، فقهروا الثوار وأحرقوا ثلاثين قرية من قراهم، ثم تقدم الأمير خليل ومعه فرسان العرب المصريين من عرب الهنادي، فطاردوا الثوار مطاردة شديدة اضطرتهم أن يلجئوا إلى قلعة صهيون حيث جاءتهم الأمداد، فضيق عليهم الأمير خليل حتى اضطرهم إلى طلب الأمان، وأرسل الأمير بشير 500 رجل من أهالي زحلة وبسكنتا نجدة لابنه، فقابل النصيرية تلك النجدة، وكانت معركة شديدة عند جسر السن وصل خبرها إلى الأمير خليل، فأرسل قوة لإنقاذ اللبنانيين، فأنقذتهم وطردت النصيرية وطاردتهم في كل مكان حتى خضدت شوكتهم، وقدموا جميعا طاعتهم. وكان إبراهيم باشا قد وصل إلى حمص فأمر بإعادة اللبنانيين إلى بلادهم، وبإعادة الجنود إلى مرابطها، وهكذا انتهت الفتن التي قامت في سنة 33 و34، وكان أشدها ثورة بلاد النصيرية.
كان الباب العالي هو الذي حرك هذه الفتن في سوريا؛ لأنه كان ينوي استخدام معاهدته مع روسيا لاستعادة تلك البلاد من محمد علي بقوة الروس.
ويحدثنا الدكتور محمد صبري في كتابه «الإمبراطورية» المصرية عن أعمال الباب العالي، فيقول: إن رشيد باشا الذي أرسله الباب العالي إلى سيواس لحشد الجيوش بحجة إخضاع القبائل الكردية، حشد الجنود وجمع المدافع على الحدود السورية استعدادا للهجوم على المصريين، وهو في الوقت ذاته كان يدس الدسائس لإثارة الاضطرابات والقلاقل في بلاد تسهل فيها إثارة الفتن المتفقه مع طبائع أهلها.
ولما وصل خبر اتقاد الفتن إلى إستامبول في شهر يوليو، اتفق رأي السلطان ورأي بعض رجال الديوان على أن يرسلوا الأوامر إلى رشيد باشا ليساعد الثوار السوريين، وقرروا في نفس الوقت إرسال الأسطول التركي لمهاجمة محمد علي بحرا. وأكد ريس أفندي لسفيري إنكلترا وفرنسا أن روسيا لا تشترك في القتال في سوريا، فأجاب اللورد بونسوبي والأميرال روسين أن السلطان إذا أقدم على قتال محمد علي يعرض تاجه وعرشه للخطر. فهذا القول حمل السلطان على التردد، ولكنه ظل يرسل الأموال إلى رشيد باشا. وأدخل سفير إنكلترا في صدر السلطان الوسواس بقوله له: إن من مصلحة روسيا أن يقوى محمد علي؛ لأن ذلك يعود بالوهن والضعف على تركيا، وأيد ذلك في صدر الباب العالي والسلطان رد روسيا على الباب العالي - وقد طلب منها مساعدته لتأييد الثوار السوريين - بأن المعاهدة بينهم معاهدة دفاعية، وأنها لا تستطيع إمداده إذا كان هو المعتدي والمهاجم.
أما محمد علي، فإنه كان يرى ذلك كله، ولا يخطو خطوة واحدة للتحكك بالباب العالي. وقد روى قنصل فرنسا في الإسكندرية في كتابه إلى وزير الخارجية «أن محمد علي يشبه السلطان برجل يحمل على رأسه إناء من الفخار، فهو إذا ظل يمشي وحده قد لا يقع الإناء إلا أن يصطدم بأي شخص أو يدنو منه أي شخص، فيقع الإناء ويتحطم.» فمحمد علي لا يريد أن يحطم ذلك الإناء، ولكنه لا يريد أن يضمن سلامته، وكل ما يريده الآن أن يكون بمعزل عن أي عمل سياسي أو غير سياسي في الشرق.
ولكن السلطان ظل مجدا في سعايته ضد محمد علي، فأرسل في 13 سبتمبر 1834 أمير ساموس فوغوريدس بك إلى سفير إنكلترا ليعرب له عن رغبة جلالته في أن تكره إنكلترا وفرنسا محمد علي على التضحية، وعلى أن يكتفي بولاية مصر وباشاوية عكا.
فهذه الأعمال كلها كادت تدعو محمد علي إلى العودة لطلب الاستقلال التام، فكتب إلى ابنه إبراهيم في 24 أغسطس يذكره بمسعى الباب العالي لدى الدول لإكراهه على ترك سوريا وأدنه، وبالاستعداد للهجوم عليه إبان الثورة السورية ... إلى قوله:
ولنا الأمل بأننا إذا فهمنا الدول الأوروبية سوء نية الباب العالي وخطته العدائية نتمكن من تحطيم هذا القيد؛ قيد العبودية الذي نحمله الآن في أعناقنا.
وينبهه في هذا الكتاب إلى اتخاذ الحيطة والاستعداد للأزمة التي قد تقع بالمستقبل.
अज्ञात पृष्ठ