١٣٩ - إياك أن تعاف سماع هذا الأشياء المضروبة بالهزل، الجارية على السخف، فإنك لو أضربت عنها جملة لنقص فهمك، وتبلد طبعك، ولا يفتق العقل شيء كتصفح أمور الدنيا، ومعرفة خيرها وشرها، وعلانيتها وسرها؛ وإنما نثرت هذه الفواتح على ما اتفق، وقد كان الرأي نظم كل شيء إلى شكله، ورده إلى بابه، ولكن منع منه ما أنا مدفوع إليه من انفتات حالي، وأنبتات منتي، والتواء مقصدي، وفقد ما به يمسك الرمق، ويصان الوجه، لا عوجاج الدهر، واضطراب الحبل، وإدبار الدنيا بأهلها، وقرب الساعة إلينا؛ فأجعل الأسترسال بها ذريعة إلى جمامك، والأنبساط فيها سلمًا إلى جدك، فإنك متى لم تذق نفسك فرح الهزل، كربها غم الجد، وقد طبعت في أصل التركيب على الترجيح بين الأمور المتفاوتة، فلا تحمل في شيء من الأشياء عليها، فتكون في ذلك مسيئًا إليها، ولأمر ما حمد الرفق في الأمور والتأتي لها، وما أحسن ما أشار رسول الله ﷺ إلى هذا المعنى في قوله: إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
١٤٠ - وأنشد لجحظة: الوافر
لقد أصبحت في بلد خسيس ... أمص به ثماد الرزق مصا
إذا رفعت مسناة لوغد ... توهم جوده ما ليس يحصى
1 / 55