إن أسلافنا أيام الفراعنة لم يكونوا يجدون أية دلالة لوجودهم على هذه الأرض، وكانت الحياة لذلك في العالم الآخر كل ما يهتمون له، شيدوا مقابرهم بالحجر، وبنوا مساكنهم بالطوب النيء، وكان العالم الآخر مجسما في أذهانهم كأنهم يعرفون شوارعه وأزقته.
ولكن الوجوديين في أيامنا لا يسلمون بعقائد مصر الفرعونية، وكأن لسانهم يقول: «فلنعش في هذه الدنيا ولنستمتع بأقصى ما نستطيع بحياتنا.»
والسخفاء من الشبان والفتيات الوجوديين في باريس يفهمون من هذا الاستمتاع أنه استهتار وعبث، ولكن الجادين الناضجين يفهمون منه أنه استقلال، وحرية في الاختيار، ودرس وثقافة واختبار.
يقول برنارد شو إن أعمارنا تجعلنا لا نعنى بهذه الدنيا؛ إذ إننا بمثابة المستأجر لمسكنه شهورا أو سنوات قليلة لا يبالي فيها أن يصلح بناءه، إذ هو سيتركه بعد قليل، لو أنه كان على يقين بأنه سيقيم، هو وأبناءه، ثم أحفاده بعده، نحو مائتي سنة فإنه كان يبنيه مع العناية والدرس، ويزينه مع السخاء والفن، بحيث يعود متحفا في الجمال والأناقة.
وهذا هو شأننا نحن البشر في هذه الدنيا؛ فإن عنايتنا بها قليلة أو معدومة، ولكن لو كان كل منا يعيش نحو ألف أو ثلاثة آلاف سنة لعنينا بها، بحيث نجعل من غاباتها متاحف، ونزرع بحارها كما نزرع يابسها، ونقيم المصايف على هملايا وفي القطبين الجنوبي والشمالي، ونلغي الحكومات المتعددة ونقنع بحكومة مفردة تشرف على جميع البشر، ونعمم الخير بين الناس، ونلغي الحرب ونعيش في سلام.
ولكن، لأننا لا نعمر طويلا، لا نبالي أن نبني دنيانا كما يجب أن تبنى، بل نتركها في فوضاها ودمارها الحاضرين وفي اختلافات أبنائها وجهلهم بل وتوحشهم.
وليس هذا فقط، فإن برنارد شو يذكرنا بأننا عندما نعمر طويلا، مئات وآلاف السنين؛ فإننا نستطيع أن نصل إلى ما ننشده من تربية لأنفسنا، لا نحصل، ولا يمكن أن نحصل على مثلها أو نصفها ونحن في أعمارنا القصيرة الحاضرة، بل كذلك استمتاعاتنا التي لا نجد الوقت لأن نمتلئ بها وننغمس فيها ونتعمق الحياة عن سبيلها.
لو كان أحدنا يستطيع أن يعيش ألف سنة لاستطاع أن يحيا جملة حيوات من حياتنا الحاضرة الموجزة؛ فإن ألف سنة من العمر تتيح لنا أن نعيش فرنسيين عشر سنوات في فرنسا، وصينيين عشرين سنة في الصين، ثم في روسيا وألمانيا ... إلخ. وهذا إلى أن نمضي سنوات في دراسة الذرة، ومثلها في دراسة الكيمياء، ومثلها في دراسة الفيزياء ونحو مائة سنة في دراسة الفلسفة.
هذه هي الاستمتاعات على مستواها العالي كما يفهمها برنارد شو عندما يقول بضرورة إطالة الأعمار، هي استمتاعات الحكمة التي تثمرها الدراسات المتعددة والاختبارات الشخصية في القارات الخمس.
إن السلحفاة تعيش نحو مائتي سنة، فلماذا لا نعيش نحن ألف أو ألفي سنة؟
अज्ञात पृष्ठ